فأما إذا تفاصلا في المعاملة وتقابضا وبان كل واحد منهما بما ابتاع من صاحبه، فيقلّ في العادة خوف التنازع إلاَّ بأسباب غامضة. ونبّه الشرع على هذ المصالح في حالتي النسيئة والنقد وما يغاب عليه وما لا يغاب، بالكتاب والشهادة والرهن (١).
و إن كانت التجارة غير حاضرة فعلى التجار كتابتها و لو صغيرة أو قليلة ولا يسأموا في كتابتها، و هذا من قوله تعالى :﴿ وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِه ﴾.
المطلب الرابع : ألا تشغل التجارة عن عبادة الله و الإيمان به.
قال تعالى : رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (النور : ٣٧) أي لا يشغل هؤلاء الرجال الذين يصلون في هذه المساجد، التي أذن الله أن ترفع، عن ذكر الله فيها وإقام الصلاة - تجارة ولا بيع (٢).
و بعبارة أخرى لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها ومَلاذ بَيعها وريحها، عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم، والذين يعلمون أن الذي عنده تعالى هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم؛ لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق؛ ولهذا قال: ﴿ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.. إلخ ﴾ أي: يقدمون طاعته ومُرَاده ومحبته على مرادهم ومحبتهم، و عن ابن مسعود أنه رأى قومًا من أهل السوق، حيث نودي بالصلاة، تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة، فقال عبد الله: هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه: ﴿ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ (٣). لم خص الرجال بالذكر؟ والجواب : لأن النساء لسن من أهل التجارات أو الجماعات (٤).
(٢) الطبري، ج ١٩ ص ١٩٢
(٣) تفسير ابن كثير، ج ٦ ص ٦٨
(٤) مفاتيح الغيب، ج ١١ ص ٣٤٥