في سورة النور، أثنى الله سبحانه و تعالى على هؤلاء التجار الذين لا تلهييهم التجارة عن ذكر الله و عبادته، و في فاطر بين لنا أن التجارة الحقيقية هي طاعة الله عن طريق تلاوة كتابه و العمل بما فيه من الصلاة لتقوية الصلة بينه و بين الله، و الإنفاق للزكاة لتقوية الصلة الاجتماعية.
إذن الآية في النور جمع الله صفات التجار معه و التجار مع البشر، هذه الصفات تتثمل في ذكرهم المستمر و المتواصل مهما كانت أشغالهم في شؤون التجارة الدنيوية، لأن ذكر الله تعالى و تلاوة كتابه و اتباع سنته و شرائعه أحب إليهم من التجارة و غيرها، و لا يخافون من كساد التجارة، و إنما خوفهم من يوم القيامة، و هو الحكم التالي.
المطلب الخامس : يوم القيامة أخوف إليه من الكساد.
عموم التجار يخافون من كساد تجارتهم، و هذا الخوف هو الذي صوره الله تعالى في قوله :.... و تجارة تخشون كسادها، وهذا من الخوف الطبيعي الموجود في الإنسان، نعم إنه من الطبيعي لكن المؤمنين التجار لا يقدمون هذا الحب إن كان ذلك على حساب حب الله المتمثل في الجهاد في سبيله. فإنهم لو فعلوا ذلك، فما ربحت تجارتهم و ما كانوا مهتدين في الدنيا، و سيأتيهم أشياء لم يتوقعوها، كما هددهم الله بقوله... فتربصوا، ومعناه : أي انتظروا ﴿ حتى يَأْتِىَ الله بِأَمْرِهِ ﴾ أي بعقوبته سبحانه لكم عاجلاً أو آجلاً (١).
فما الشيء الذي يخاف منه التجار إذن ؟ الجواب ما عبر عنه سبحانه بقوله :.... يخافون يوما تتقلب فيه القلوب و الأبصار، وهو يوم القيامة. أي يخافون يوما تتقلب فيه القلوب من هوله بين طمع بالنجاة، وحذر بالهلاك، والأبصار: أي ناحية يؤخذ بهم، أذات اليمين أم ذات الشمال، ومن أين يؤتون كتبهم، أمن قبل الأيمان، أو من قبل الشمائل؟ وذلك يوم القيامة (٢).
(٢) الطبري، ج ١٤ ص ١٧٧