أحدها : أن من كان قلبه مؤمنا بالبعث والنشور، ازداد بصيرة برؤية ما وُعِد به؛ ومن كان قلبه على غير ذلك، رأى ما يوقِن معه بأمر القيامة. والثاني : أن القلوب تتقلَّب بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك، والأبصار تتقلَّب، تنظر من أين يؤتَون كتبهم، أَمِنْ قِبَل اليمين، أم مِنْ قِبَل الشمال؟ وأي ناحية يؤخذ بهم، أذات اليمين، أم ذات الشمال؟. والثالث : تتقلَّب القلوب فتبلغ إِلى الحناجر، وتتقلَّب الأبصار إِلى الزَّرَق بعد الكَحَل والعمى بَعْدَ النَّظر (١). و هي صورة واضحة على عظم يوم القيامة، حفظنا الله و إياكم من فزع و هول ذلك اليوم.
المطلب السادس : بغية التجار الثواب و الأجور من الله.
حافز هؤلاء التجار الجمع بين الأرباح المادية و الأرباح الأخروية، و لكنهم لو تركوا في الاختيار بينهما، فسيختارون ما عند الله لأنه خير من اللهو و من التجارة، و سيوفيهم الله أجورهم و يزيدهم من فضله، و سيرزقهم بغير حساب.
هم يفعلون ما يفعلون من التسبيح، والذكر، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة ليجزيهم الله أحسن ما عملوا أي : أحسن جزاء أعمالهم حسبما وعدهم من تضعيف ذلك إلى عشرة أمثاله، وإلى سبعمائة ضعف، وقيل : المراد بما في هذه الآية ما يتفضل سبحانه به عليهم زيادة على ما يستحقونه، والأوّل أولى لقوله :﴿ وَيَزِيدَهُم مّن فَضْلِهِ ﴾ فإن المراد به التفضل عليهم بما فوق الجزاء الموعود به ﴿ والله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ أي : من غير أن يحاسبه على ما أعطاه، أو أن عطاءه سبحانه لا نهاية له، والجملة مقرّرة لما سبقها من الوعد بالزيادة (٢).

(١) زاد المسير، ج ٤ ص ٤٥٠
(٢) فتح القدير، ج ٥ ص ٥٢٥


الصفحة التالية
Icon