القدوة في التربية هي أفعل الوسائل جميعاً وأقربها إلى النجاح.
من السهل تأليف كتاب في التربية، ومن السهل تخيل منهج، وإن كان في حاجة إلى إحاطة وبراعة وشمول، ولكن هذا المنهج يظل حبراً على ورق، يظل معلقاً في الفضاء ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض ما لم يتحر إلى بشر يترجم بسلوكه وتصرفاته ومشاعره وأفكاره مبادئ المنهج ومعانيه. عندئذ فقط يتحول المنهج إلى حقيقة، يتحول إلى حركة، يتحول إلى تاريخ(١).
وقد ربى القرآن الكريم الجنود الأوائل بضرب أمثلة قدوات عسكرية، مرت على هذه الأرض تمثلت بعقائد صافية، فقال تعالى ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾(٢) هذه الآية من النماذج المقتدى بها، ضربها الله للاعتبار والإقتداء، وقال الطبري عند تفسيرها: (عذلهم الله عز وجل على فرارهم وتركهم القتال، ثم أخبرهم عما كان من فعل كثير من أتباع الأنبياء قبلهم، وقال لهم: هلا فعلتم كما كان أهل الفضل والعلم من أتباع الأنبياء قبلكم يفعلونه إذا قتل نبيهم ولم تهنوا ولم تضعفوا، كما لم يضعف الذين كانوا قبلكم من أهل العلم والبصائر من أتباع الأنبياء إذا قتل نبيهم)(٣).
فيكون المقصود من الآية حكاية ما جرى لسائر الأنبياء وأتباعهم لتقتدي هذه الأمة بهم وترغيب الذين كانوا مع رسول الله - ﷺ - في الجهاد ﴿ والله يحب الصابرين ﴾ يعني في الجهاد، والمعنى أن من صبر على تحمل الشدائد في طلب الآخرة ولم يظهر الجزع والعجز فإن الله تعالى يحبه.
موازنة المصالح والمفاسد:
(٢) سورة آل عمرن-آية (١٤٦).
(٣) تفسير الطبري- ٦/١١٠.