ومن وسائل التربية العقائدية أن يوازن العسكري بين المصالح فيأتيها، وبين المفاسد فيجتنبها، ومن أمثلة هذه الوسيلة التربوية قوله تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْل) وقد جاءت هذه الآية موصولة ببيان بعض أحكام الجهاد وهي قوله تعالى ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ﴾(١).
فالموازنة بين المصالح كما في هذه الآية هي أن (ابتلاء المؤمن في دينه حتى يرجعَ عنه فيصير مشركا بالله من بعد إسلامه، أشدُّ عليه وأضرُّ من أن يُقتل مقيمًا على دينه متمسكا عليه، مُحقًّا فيه(٢).
ولما كان الجهاد فيه إزهاق النفوس وقتلُ الرجال، نبَّه تعالى على أنّ ما هم مشتملون عليه من الكفر بالله والشرك به والصد عن سبيله أبلغ وأشد وأعظم وأطَم من القتل؛ ولهذا قال: ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ قال أبو مالك: أي: ما أنتم مقيمون عليه أكبر من القتل(٣).
عدم الاعتماد على الماديات والركون إليها:
من وسائل التربية العقائدية للعسكريين في القرآن الكريم، من أعظم ما يعين العسكري على أداء رسالته سواء في ميادين القتال أو ميادين التدريب والحراسة أن يربى على أن الوسائل المادية إنما هي أسباب لا يعتمد عليها، كما أنه لا يفرط في إعدادها، و الواجب على العسكري في التعامل مع الأسباب أن يعرف فيها ثلاثة أمور:
أحدها: أن لا يجعل منها سببا إلا ما ثبت أنه سبب شرعا أو قدرا.
ثانيها: أن لا يعتمد عليها، بل يعتمد على مسببها ومقدرها، مع قيامه بالمشروع منها، وحرصه على النافع منها.

(١) سورة البقرة-آية (١٩١).
(٢) تفسير الطبري -٣/٢٩٢.
(٣) تفسير ابن كثير-١/٣٢٧.


الصفحة التالية
Icon