وتضمن قوله تعالى (ويزكيهم ويعلمهم) حكمة راقية، إذ يفيد أن الإسلام يهتم بتربية النفس وتهذيب الأخلاق في الدرجة الأولى، إذ قدم (ويزكيهم) ويهتم بتثقيف العقل وتوسيع معلوماته في الدرجة الثانية في قوله (ويعلمهم) بحيث إذا خير الإنسان بين علم واسع مع خلق فاسد، وعلم محدود مع خلق فاضل، كانت الألوية لمكارم الأخلاق ولو مع قليل من العلم، لا لكثرة العلم مع فساد الأخلاق، إذ فساد الأخلاق يضيع ثمرة العلم، ويجعل صاحبه أخطر من الجاهل بالمرة (١).
هذا هو شأن القرآن الكريم يثقف البشر ويربيهم عبادة وتعاملا وسلوكا، وفي صحابة رسول الله – ﷺ – الأثر الأقوى لهذه التعاليم التربوية، إذ ضربوا أروع الأمثلة في الحب والفداء والإيثار والإتباع، والتخلي عن زخارف الحياة الدنيا الزائلة.
المبحث الثاني
تحديد القرآن الكريم لتوجّهات المسلم نحو ربه ووحدانيته،
واتباع دينه، ونبذ الآلهة والمعتقدات الباطلة
لقد عاشت البشرية في المجتمع الجاهلي باتجاهات متعددة، وسلكوا سبلا متنوعة في التوجه وصرف العبادة، بل كانوا لا يعرفون ما هو النافع من الضار، وكل اتجاهاتهم تفيد جهلهم، وتقديم ما يرونه نافعا عاجلا بدون النظر إلى العواقب والنتائج المرجوة، حتى جاء القرآن الكريم بتوضيحاته موجها لهم نحو المعتقد السليم الواجب على المرء السير في مساره، بل فيه جملة وافرة من الآيات في إثبات وحدانية الله تعالى، بأساليب مختلفة وطرق متنوعة، ونظرة سريعة إلى الآيات القرآنية التي نزلت في الفترة المكية تكشف بجلاء منهج القرآن الكريم في تأسيس الإيمان في قلب الإنسان، ثم نظرة أخرى إلى الواقع الذي كان يعيشه أولئك الخيرة الذين آمنوا بالله تعالى وبرسوله النبي الكريم – صلوات ربي وسلامه عليه – كيف أحدث فيهم تحولا عجيبا وميولا سريعا لهذا الدين بعيدا عن الوثنية وتوابعها.

(١) ينظر التيسير في أحاديث التفسير للشيخ محمد المكي الناصري ٦/٢٣٠ –٢٣١.


الصفحة التالية
Icon