قال ابن حجر: "وضرب به المثل لأنه يزيد زيادة بيّنة، ولأن الصدقة نتاج العمل وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيما فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال، وكذلك عمل بن آدم، لا سيما الصدقة، فإن العبد إذا تصدق من كسب طيب، لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال، حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم، نسبة ما بين التمرة إلى الجبل" (١).
وفيما ذكرت غنية عن الإطالة في بيان مفهوم التربية ومدلول هذه الكلمة؛ فالمقصود بالتربية القرآنية: ما يحدثه تعاليم هذا القرآن الكريم في نفس المرء تحولا إلى أن يصل إلى أعلى القمة في الامتثال والاقتداء والتعايش والتعامل، و سيكون حديثي في المبحث الأول دعم لهذا المفهوم للتربية.
والأثر في اللغة: بالتحريك، ما بقي من رسم الشيء، والتأثير: إبقاء الأثر في الشيء، وأثّر في الشيء: ترك فيه أثرا (٢).
وأقصد بأثر التربية القرآنية في عنوان بحثي: ما يحدث في ذات الشخص ونفسه وتصوره، تغيرا وتحولا، ونقلة وتطورا، وتحديثا وتجديدا، يظهر ذلك بالموازنة بين الماضي والحاضر، أي بين ما كان في السابق وما حدث في الواقع، سواء كان في الفرد أو المجتمع.
المبحث الأول
القرآن الكريم كتاب التربية الإيمانية وتهذيب الأخلاق
أنزل الله تعالى هذا القرآن الكريم على أمين الأرض – صلوات ربي وسلامه عليه – قال تعالى (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين (٣) هدى البشرية النجدين، وهو يعلم كل ما يحتاجونه في شتى شؤونهم، حكيم بما يصلحهم في كل حين وآن.

(١) فتح الباري ٣ /٢٧٩-٢٨٠.
(٢) ينظر لسان العرب مادة (أثر) ١/٢٥.
(٣) سورة الشعراء الآيات رقم ( ١٩٢-١٩٥ )


الصفحة التالية
Icon