لقد عاش الناس في مجتمع جاهلي تخبطوا في شتى أمور الحياة، والتاريخ يثبت تخبطهم في نظام الأسرة، في التعامل الاجتماعي، في النظام الاقتصادي، في السلوك والمعاملة، تخبطهم في العبادة ومن يعبدونه، يصنع البعض منهم إلهاً بيده من مأكولات ليعبده فيفعل ثم إذا جاع أكله، ونحو ذلك من المعاملات والتصرفات التي يرفضها العقل السليم.
جاء الإسلام بهديه وإرشاداته بوحيه المنزل من السماء بالقرآن المتلو المشتمل على ما يصلح البشر في عاجلهم وآجلهم، ربّاهم أحسن تربية، نمّى عقولهم، هذّب أخلاقهم، نظّم معاملاتهم، طوّر تصرفاتهم، جعل لهم نظاما عالميا يسيرون به في تعاملاتهم نحو الرقي وإلى الأمام على خطى ثابتة يسودون به العالم، (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا (١).
وإذا كانت التربية تحول وتطور وتنقل من حال إلى حال، ومن درجة إلى أعلى، فالقرآن هو الذي أحدث هذا التحول للبشرية بعد نزوله، وطبّقته الأمة المصاحبة لمن نزل عليه هذا القرآن النبي الرؤوف المربي – ﷺ – فبعد أن كانوا في صراع ونزاع وتخبط في شتى نواحي الحياة، أصبحوا إخوة متحابين متآلفين، (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم (٢) بتوفيقه ثم بتطبيق تعاليم التربية القرآنية، فبها ترقّوا في مراحل التربية حتى وصلوا إلى الذروة والكمال، فرضي الله عنهم ورضوا عنه.
إن من ميزة هذا القرآن إحداث التحول والتبدل كما يقول الله عز وجل (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا (٣) يقول ابن كثير: لوكان في الكتب الماضية كتاب تسيّر به الجبال عن أماكنها، أو تقطع به الأرض وتنشق، أو تكلم به الموتى في قبورها، لكان هذا القرآن، هو المتصف بذلك دون غيره (٤).
(٢) سورة الأنفال الآية رقم ( ٦٣ )
(٣) سورة الرعد الآية رقم ( ٣١ )
(٤) تفسير ابن كثير ٢/٥١٦.