فهذا القرآن هو الذي ربى الأمة على الإيمان، وحولها من الجاهلية إلى العلم والمعرفة والهداية، ومن الظلم إلى العدل، ومن الأخلاق الذميمة والشنيعة إلى الأخلاق الفاضلة والمرضية، فهو كتاب يمتاز بخصيصة التغيير، وما الوقائع على مر العصور ببعيد قال تعالى (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله (١).
قال ابن عباس: يقول تعالى: لو أني أنزلت هذا القرآن على جبل حمّلته إيّاه، لتصدع وخشع من ثقله ومن خشية الله، فأمر الله الناس إذا نزل عليهم القرآن أن يأخذوه بالخشية الشديدة والتخشع، ثم قال تعالى ( وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون (٢).
فما أروع تأثيرات هذا القرآن، إذ لو أنزل على جماد غير عاقل صلب قويّ لأحدث فيه تغييرا، من خشوع وتصدع وهو سبحانه وتعالى القادر على كل شيء، وليس غريبا حصول التخشع من غير العاقل، ففي الحديث أن الصحابة –ضوان الله عليهم - سمعوا خوار الجذع، حينما انتقل النبي – ﷺ - إلى المنبر، حتى ارتج المسجد بخواره، حزنا عليه (٣).

(١) سورة الحشر الآية رقم (٢١)
(٢) سورة الحشر آية رقم ( ٢١ ) وينظر قول ابن عباس في المصدر السابق لابن كثير.
(٣) هذا معنى حديث رواه ابن خزيمة بطوله في صحيحه ٣/١٤٠، ورواه البخاري مختصرا في صحيحه، في كتاب الجمعة، باب الخطبة قائما ١/٣١١.


الصفحة التالية
Icon