ومن الأمثلة الحوارية التي ضربها الله سبحانه وتعالى ليعلم الناس وخاصة ذوي الجاه والسلطان منهم ألا يضيقوا برأي مخالف بل ينبغي عليهم أن تتسع صورهم وعقولهم لاستيعاب ما يوجه إليهم من تساؤلات، وألا يعالجوا هذا الخلاف بمنطق الغضب من المخالفين ولا بمنطق السلطة والقوة في حوارهم معهم، بل يجب أن يكفلوا لكل ذي رأي مخالف حريته، ثم يعتمدوا على الحجة والمنطق، حتى يتضح الحق فيرجع المجانب عن رأيه ويتوب إلى الله.
كما جاء في قصة نوح عليه السلام بعدما دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً فلم يؤمن إلا قليل وكان أمر الطوفان على الكافرين فلما رأى مصير ابنه مع الهالكين حيث وقع سيدنا نوح عليه السلام بين صراعين، صراع النبوة بكامل جلالها وعاطفة الأبوة بكل غريزتها فرجع إلى ربه محاوراً بعد أن غلبته الغريزة الأبوية }فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴿ وفي هذا تغليب المشاعر الأبوية على جوانب النبوة التي يجب أن تذوب على المشاعر والأحاسيس والعواطف في تعاملها. ﴾قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ{.
أي أن سؤالك إياي يا نوح عنه وطلبك له النجاة عمل غير صالح مبيناً أنه عندما تتعارض رابطة النسب ورابطة العقيدة فإن رابطة العقيدة هي المقدمة وهي الأولى.
وكذلك حوار الله تعالى مع إبراهيم عليه السلام وعيسى عليه السلام وكثير من الأنبياء درس ثالث من الدروس الإلهية العظيمة، وهو يثبت لنا منهج الحوار، لكن هذه المرة يختلف اختلافاً جذرياً فالأول كان مع الملائكة الأطهار، والثاني الرسل الكرام، لكن الدرس الثالث منه تباين وتباين كبير.
إن طرفي الحوار هنا متميزان تميزاً كبيراً، فالأول هو الله سبحانه وتعالى علواً كبيراً، والثاني هو أحط خلق الله منزلة، إنه إبليس اللعين.