لكن الله تعالى يسوي لنا هذا الحوار القرآني ليبين لنا من خلاله، أنه مهما كان الخصم وأياً كانت منزلته وشدة خصومته، ومهما كان عناده واستكباره، إلا أنه ما دام هناك قضية فلا بد من سماع دعوى الطرفين.
فهذا الدرس الإلهي ومن خلال الذات الإلهية في عليائها يعلمنا أنه لابد من سماع دعوى الطرف الآخر حيث يقول في هذه القضية الحوارية }وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴿.
وفي موضوع آخر ﴾أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً{.
وبدأ القرآن يسرد القصة في أكثر من موقع قرآني لنستنير بكل قصة نوراً جديداً، وفهمها إيمانا يجدر في قلوبنا هذا المنهج الرباني في الحوار.
وظلم إبليس عليه اللعنة إن كانت مادته أفضل فصورته أفضل فهذا محل النزاع والبحث، لأنه لما كانت الفضيلة عطية من الله تعالى ابتداء لم يلزم من فضيلة المادة فضيلة الصورة
ألا ترى أنه يخرج الكافر من المؤمن، والمؤمن من الكافر، والنور من الظلمة، والظلمة من النور، وكذلك يدل على أن الفضيلة لا تحصل إلا بفضل الله تعالى، لا بسبب فضل الأصل والجوهر، وأيضاً التكليف إنما يتناول بعد انتهائه إلا حد كما قال الفعل، فالمعتبر بما انتهى إليه لا بسبب المادة، ألا ترى أن الحبشي المؤمن فضل على القرشي الكافر.
ثانيا: الحوار دعوة إلى الإيمان:
تمهيد: