وقد فضل الله تعالى الإنسان وكرمه كما قال تعالى: }وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴿([٢٠]).
وهذه الكرامة التي اختص الله بها الإنسان ذات أبعاد مختلفة، فهي حماية إلهية للإنسان، تنطوي على احترام حريته، وعقله، وفكره، وإرادته.
وهذه الكرامة تعني في النهاية، الحرية الحقيقة، وهي تلك الحرية الواعية المسئولة التي تدرك أهمية تحملها أمانة التكليف والمسئولية التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله: ﴾
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴿([٢١]).
وإذا كان الله قد اختص الإنسان بالتكريم، وجعله مكلفاً ومسئولاً، فإنه من ناحية أخرى قد خلق له هذا الكون بمن فيه ليمارس فيه نشاطاته المادية والروحية على السواء قال تعالى: ﴾
وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{([٢٢]).
والتفكير الذي تنص عليه الآية هنا أمر جوهري لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان([٢٣])، وقد قال سقراط: "إن العلم لا يعلم، ولا يدون في الكتب، بل يكشف بطريق الحوار"([٢٤]).
ويذكر العلماء: أن قاعدة القواعد في النظام الكوني هي حوار الكائنات ليأخذ بعضها من بعض ويعطي بعضها بعضاً كما هي طبيعة الحاجة، فيكون الانسجام والشد والعقد والاستمرار.
فالحوار ليس قاصراً على الكلمات اللسانية المسموعة، إنما قد يتجاوز إلى الإشارة الموضحة والبسمة المشرقة، والحس الخافق، والدورة المقبلة والعمل الصالح، والموقف الصالح، حتى الصمت، لا يبعد أحياناً أن يتأتى حواراً.


الصفحة التالية
Icon