ومن البداهة القول: بأن الإنسان كائن عاقل واجتماعي، كائن علاقة وحاجة.
ومن البداهة القول: إن هذه الأحوال من أحوج حاجاتها اللقاءات المتحاورة، ليكون المجتمع على بينة من أمر علاقاته، وعلى تناسق مؤتلف، وتفاهم واع، وترابط معقود، كما الكون بقوانينه وأنظمته التي تجعله يحفظ بعضه بعضاً، ويستمر بعضه ببعض([٢٥]).
وليس من الشر في شيء أن يختلف الناس، ولكن الشر كل الشر أن يضلوا الطريق الصحيح إلى معالجة الخلاف، أما إن اختلافهم ليس من الشر، فذلك لأن كل ما في داخل نفوس الناس، وكل ما يحيط بهم من ظروف الحياة يدعو إلى اختلافهم، فاختلافهم إذن ليس غريباً ولكنه ينبع من طبيعة تكوينهم، ومن أحوال معيشتهم معاً.
وأما إن الشر في ضلالهم الطريق الصحيح إلى تسوية الخلاف، فلأن الطريق الصحيح هو طريق الاحتكام إلى الحق، وهو دائماً واضح نير، إذا صدقت النفوس في الاتجاه إليه، وأقرب طريق يوصل إليه هو الحوار العقلي المجرد عن اتباع الهوى.
ولكن البديل القريب لهذه الطريق هو البحث عن القوة، باعتبارها وسيلة سريعة وشاقة في تسوية الخلاف وحينئذٍ يكون هذا اللاجئ إلى القوة قد ضل الطريق وفي هذا الضلال كل الشر، وكل ما عانته وتعانيه البشرية من ويلات الحروب، ومن أنواع الصراع، وما تخلفه من الجوع والضر الذي يصيب الملايين الذين ليس لهم في هذا الصراع من ناقة ولا جمل في أغلب الأحيان، والذين قد لا يشعرون بأن بينهم وبين محاربيهم شيئاً قط من عداوة أو خصومة أو اختلاف، وإنما الخصومة والخلاف بين القادة والرؤساء، وقد ينحصر الخلاف كله بين اثنين ممن أتيح لهم احتلال قمم الشعوب، بالحكم والسيادة، فيتخذون من هذه القمم وسيلة لإبادة بعض هذه الشعوب بالحرب، وتعذيب الباقي بالجوع والعري والمرض وسائر ما تثمره الحروب، ولو احتكموا إلى الحق، لوجدوه واضحاً بيناً، وأقصى ما يحتاجونه إليه حينئذٍ هو الحوار بالمنطق والحجة ليكون الحوار طريقهم إلى الحق.