وقد جرت تلك المحاورات بين أطراف متعددة، كلها تعطي لنا دروساً كثيرة وجمة، وتشعرنا بأن هذا الأسلوب لم يأت به الله -عز وجل- منزل ذلك الكتاب عبثاً، بل لفائدة عظيمة جليلة، فنجد محاورات عدة في القرآن الكريم، منها محاورات كان أحد طرفيها الله -عز وجل- كما حاور رب العزة الملائكة وإبليس، وجرت تلك المحاورات في بعض الأحيان على ألسنة الرسل مع أقوامهم، وعلى ألسنة المؤمنين مع الطواغيت، وغير ذلك من تلك المحاورات.
فإن موضوع الحوار في القرآن الكريم من الموضوعات الهامة التي تدور أساساً على الإيمان بالله ورسله، وعلى وحدانيته وأحقيته بالعبادة دون غيره، والإيمان بالبعث والجزاء، وهذه العناصر الثلاثة من أهم قضايا القرآن الكريم، ولهذا كانت موضع جدل وحوار.
فالقرآن الكريم بشموليته لم يترك لنا باباً إلاّ وقد تناوله بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة التي حاج بها خصومه في صورة جلية واضحة يدركها الداني والقاصي، الجاهل والمتعلم، العام والخاص، معطلاً كل شبهة، بأسلوب واضح وتركيب سليم لا يحتاج إلى إعمال الذهن في المسألة المطروحة، لأنه يذكر لنا الحقائق ويقررها بوضوح فيلمسها الإنسان بنفسه دون عناء.
فالقرآن الكريم ما جاء في الحقيقة إلاّ لهداية الناس لكي يحتكموا إلى الصوات والحق، وإلى أن ينتهوا ويسلكوا الطريق السوي الصحيح، ألا وهو طريق الحوار العقلي المجرد عن اتباع الهوى؛ لأنه أقرب طريق يوصل إلى الحق ويبعدهم عن طريق التعصب واستخدام القوة في تسوية الخلافات العقائدية والاجتماعية.
فالقرآن الكريم وضع القواعد وأصَّل الأصول لحل جميع القضايا، ومن أهمها الحوار القائم على العقل لا على القوة كوسيلة إلى التعامل مع المخالفين مع أن القرآن يعترف بها كعقوبة للمصرين على الباطل بعد وضوح الحق وهي وسيلة نهايته لإعادتهم إليه.