ولقد كانت محاورة الله سبحانه وتعالى مع الملائكة طرازاً يختلف عن سائر المحاورات القرآنية الأخرى، فهي نموذج أعلى للإرشاد والقدرة والتوجه، حيث جعل الله سبحانه وتعالى من ذاته معلماً ومثلاً أعلى يقتدى به في مثل هذه المحاورة حيث يقول:}وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً...﴿.
"ففي هذه المحاورة بين" الله تعالى وملائكته نوعاً من التخيل بإبراز المعاني المنقولة بالصور المحسوسة تقريباً للأذهان وكما جاء في تفسير المنار: إن هذه الآيات من المتشابهات التي لا يمكن حملها على ظاهرها لأنها بحسب قانون التخاطب إما استشارة وذلك محال على الله تعالى، وإما إخبار منه سبحانه وتعالى للملائكة واعتراض منهم ومحاجة وجدال، وذلك لا يليق بالله سبحانه وتعالى أيضاً ولا بملائكته، ولا يوافقه ما جاء به الدين من وصف للملائكة بكونهم: ﴾لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ{.
ولكن القارئ والسامع لهذه الآيات قد يتبادر إلى ذهنه ثمة معارضة من الملائكة لله تعالى على خلقه وقراراته، والواقع ليس كذلك، بل هو مجرد اختلاف في الرأي مع الله سبحانه وتعالى، وما كان لهم أن يضعوا أنفسهم في هذا الموقف مع الخالق سبحانه، ولكن الله وضعهم فيه ليعطي من خلالهم لمخلوقاته دروساً في الشورى التي هي واجب على ولي الأمر، فجعل المولى عز وجل ذاته طرفاً في حوار يختلف فيه الرأي مع الملائكة في خلق آدم عليه السلام.