ثم قال الشيخ رحمه الله :" وَكَذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ فَمَتَى اخْتَلَفَ التَّابِعُونَ لَمْ يَكُنْ بَعْضُ أَقْوَالِهِمْ حُجَّةً عَلَى بَعْضٍ. وَمَا نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ نَقْلًا صَحِيحًا فَالنَّفْسُ إلَيْهِ أَسْكَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ - ﷺ - أَوْ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَقْوَى. وَلِأَنَّ نَقْلَ الصَّحَابَةِ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَقَلُّ مِنْ نَقْلِ التَّابِعِينَ. وَمَعَ جَزْمِ الصَّاحِبِ فِيمَا يَقُولُهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ نُهُوا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ!؟
ولذا إذا جاءنا أثر موقوف على صحابيٍّ يفسر فيه آيةًً فلا ينبغي أن نحكم بأنه أخذ ذلك عن أهل الكتاب، فالجرأة على رد ما جاء عن الصحابي بدعوى أنه من أخبار أهل الكتاب لا يليق؛ لعلمهم، وفضلهم، وورعهم، رضي الله عنهم وأرضاهم. فالصحابي إذا فسر القرآن الكريم فالغالب على الظن أنه مما تلقاه عن رسول الله - ﷺ -. ولا يليق كما قرر الشيخ أن يُقال : إنه أخذه عن أهل الكتاب.
مثلاً أخرج الطبراني في معجمه الكبير أنّ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال فِي قَوْلِهِ: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً حَتَّى وُضِعَ فِي بَيْتِ الْعِزَّةِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَنَزَّلَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلَى مُحَمَّدٍ - ﷺ - بِجَوَابِ كَلامِ الْعِبَادِ، وَأَعْمَالِهِمْ". جزم بعض المتأخرين أنّ هذا مما أُخذ عن أهل الكتاب، وهذا مردود لما يلي :
أولاً : لا دليل على هذا الزعم.


الصفحة التالية
Icon