فإذا لم يكن صدقاً مطابقاً للواقع؛ فإما أن يكون ناقل الخبر تعمد الكذب، وإما أن يكون أخطأ ووهم لضعف الضبط.
فما تعمد فيه الكذب : فهو الموضوع، وما لم يتعمد فيه الكذب، أي : وقع فيه الخطأ والوهم بسبب ضعف الضبط فهذا الذي يسميه العلماء: الضعيف.
فإذا جاءنا خبر يطابق الواقع، ولكن ناقله عُرِف أنه من النوع الثاني الذي يكثر في كلامه الخطأ والوهم، بل قد يكون ناقله ممن عُرف بالكذب، ماذا يكون حال خبره ؟
يقول شيخ الإسلام :( متى سَلِم من الخطأ العمد والكذب كان صدقاً بلا ريب ).
لكن هذا الراوي نحن نعرف أنه كذاب، فكيف يَسْلَم من الكذب؟
قال : يَسْلَم من الكذب بأن يُنقَل هذا الخبر بطرق يستحيل تواطؤ أصحابها على الاتفاق على الكذب، إذا نُقِل الحديث بطرق استحال عقلاً أن يتفق أصحابه على الكذب، حتى ولو كانوا هم في أنفسهم أهل كذب؛ فإن خبرهم يُقبَل.
ولهذا قال تعالى :﴿ إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ﴾ ما قال فردوا. تأمل. لم يأمر برد خبر الفاسق، وإنما أمر بالتبين والتثبت ولم يردَّه، والمعنى : خبر الفاسق إذا جاءكم انظروا في القرائن، فإذا دلَّت القرائن على قبول خبره فاقبلوه، وإذا دلَّت القرائن على ردِّ خبر فرُدُّوه، بخلاف خبر العدل، فالأصل في العدل : أن خبره مقبول، وهذا مفهوم المخالفة في الآية.
ومن القرائن : أن يأتي الخبر نفسه من طرق متعددة، ولو كانت هذه الطرق عمن هذه صفتهم ولكن بدون مواطأة واتفاق، هذه من القرائن. كما ذكرنا قبل قليل : لا يمكن أن يأتيك ثلاثة أشخاص كلهم ضعيف، لكنهم يؤكدون حقيقةً واحدة، ولم يتقابلوا حتى يكون خبرهم بها عن مواطأة واتفاق، أليست هذه قرينة تفضي إلى قبول خبرهم؟ الجواب : بلى.
ولكن : هذه الطريقة يثبت بها الخبر في الجملة، أما دقائق الأحداث التفصيلية فلا تثبت بها.