ولذا قال ابن القيم يرحمه الله في كتابه بدائع الفوائد مجلد الثالث صفحة سبعٍ وعشرين "وينبغي أن يتفطن ههنا لأمر لا بد منه، وهو أنه لا يجوز أن يحمل كلام الله عز وجل ويفسر بمجرد الاحتمال النحوي الإعرابي الذي يحتمله تركيب الكلام ويكون الكلام به له معنى ما؛ فإن هذا مقام غلط فيه أكثر المعربين للقرآن، فإنهم يفسرون الآية ويعربونها بما يحتمله تركيب تلك الجملة، ويفهم من ذلك التركيب أي معنى اتفق، وهذا غلط عظيم يقطع السامع بأن مراد القرآن غيره؛ وإن احتمل ذلك التركيب هذا المعنى في سياق آخر وكلام آخر، فإنه لا يلزم أن يحتمله القرآن".
ومما قاله ابن هشام في مغني اللبيب - وهو إمام اللغة العربي- :" فقد تأتي أوجه من الإعراب للألفاظ تسوغ لغة ونحواً ولكن لا تسوغ تفسيراً".
بل للقرآن عرْفٌ خاص ومعانٍ معهودة لا يناسبه تفسيره بغيرها ولا يجوز تفسيره بغير عُرْفِه والمعهود من معانيه، فإن نسبة معانيه إلى المعاني كنسبة ألفاظه إلى الألفاظ بل أعظم، فكما أن ألفاظه أجل الألفاظ، وأفصحها، ولها من الفصاحة أعلى مراتبها، فكذلك معانيه أجل المعاني وأعظمها وأفخمها فلا يجوز تفسيره بغيرها من المعاني التي لا تليق به بل. وهذه من أنفس القواعد التي قررها شيخ الإسلام في هذا الكتاب. ولذا لابد من الاستعانة بالكتب المعرفو في التفسير حتى لا نتخبط كتفسير الطبري وابن كثير رحمهما الله.
وربما دل على هذه القاعدة من طرف خفي أنّ الصحابة كانوا يخطئون في فهم الآية، فيصصح فهمهم لها رسول الله - ﷺ - وإنما نزل القرآن بلغتهم، فهذا يدل على الإلمام بلغة العرب لا يكفي لتأويل كتاب رب العالمين الذي نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين.
ومن أنفع الكتب للتعرف على المزيد في هذا الباب (الحقيقة الشرعية في تفسير ألفاظ القرآن والسنة النبوية)، ومن آثار هذه الطريقة ضياع الحقائق الشرعية.


الصفحة التالية
Icon