أعرّج بعد ذلك إلى طرح هذا السؤال.. ما هي الدلائل المؤكدة على أهمية تفسير الصحابة ؟
الجواب :
أولاً: لتلك الآثار التي مرت معنا والتي تبين سعة علمهم بكتاب الله.
ثانياً : أنه شهدوا التنزيل وعرفوا أحواله.
والشاهد يدرك من الفهم ما لا يدركه الغائب، ويرى ما لا يرى الغائب. أنت الآن لو شاهدت حدثاً معيناً، لا استطعت أن تفصح عن هذا الحدث وما كان فيه، وما هو المراد من كلام زيد وعمرو فيه ما لا يستطيعه من حُكي له.
ثالثاً : هم أعلم الناس بأسباب النزول.
واسمع هذه القصة للتبين أهمية الوقوف على أسباب النزول وأهمية التعرف عليها..
خرّج الحاكم في مستدكه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أُتيَ برجلٍ من المهاجرين - وقد شرب الخمر -، فأمر عمر أن يُجلد، فقال: لِمَ تجلدني؟! بيني وبينك كتاب الله، قال: وأين تجد في الكتاب أني لا أجلدك؟ قال: فإن الله تعالى يقول في كتابه: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا.. ﴾ [المائدة: ٩٣]، فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وأحسنوا؛ شهدت مع رسول الله: بدراً، وأحداً، والخندق، والمشاهد.
فقال عمر: ألا تَرُودّن عليه؟
فقال ابن عباس: هذه الآيات نزلت عذراً للماضين، وحجّة على الباقين، عذراً للماضين؛ لأنهم لَقُوا الله قبل أن يحرّم الله عليهم الخمر، وحجة على الباقين؛ لأن الله يقول: ﴿ إنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رجس من عمل الشيطان ﴾ [المائدة: ٩٠]. حتى بلغ الآية الأخرى)
فانظر كيف خفي على هذا الصحاربي - رضي الله عنه - وهو بدري حكم هذه الآية لمّا لم يكن يعلم سبب نزولها؟
رابعاً : أنهم عرفوا أحوال من نزل القرآن فيهم.


الصفحة التالية
Icon