إن المتمعن في هذه القصة من القرآن يتلمس شحنات نفسية من أبطال القصة، ومن بعض كلماتها وإشاراتها ؛ فكلمة " الصبر " مثلاً تجدها حاضرة دائماً على لسان يعقوب عليه السلام، والاستعاذة من الظلم على لسان يوسف عليه السلام، وتوكيد الإيمان على لسان أخوته، ولو نظرنا من منظورِ علم النفس لوجدنا سلوكاً متبايناً من شخصياتها، كالتبرير والإسقاط والكذب والغيرة والقلق والإحساس بالذنب، ونحو ذلك من الحيل النفسية اللاشعورية التي يلجأ لها الإنسان في معاملاته النفسية، والتي يسميها علم النفس " آليات عقلية "، يغالب بها المرء إحباطه وقلقه وتوتره الناشئ عن فشله، وهو يحاول تحقيق رغباته(٢). فأخوة يوسف عليه السلام ضلوا ضحايا الكبت الذي عاشوه؛كي يخفوا رغبتهم في التخلص من أخيهم يوسف؛حتى يخلو لهم حب أبيهم، ولكنهم يفشلون في إخفاء وكبت هذه الرغبة؛بل كثيراً ما تبدو فيما يصدر عنهم من تصرفات ومواقف وكلمات ضد يوسف؛مما جعل يعقوب عليه
السلام يشك في حسن نواياهم عندما دعوا يوسف إلى أن يلعب معهم؛فقال لهم :
﴿قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾(٣)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- يوسف في القرآن ص ١٢٣
٢- سيكلوجية القصة في القرآن : التهامي نقرة، تونس، الدار التونسية للتوزيع، الطبعة الثانية، ١٩٨٧، ص ٥١٦
٣- يوسف ١٣