وكان من نتيجة هذا الكبت ومعاناته أن انحرفوا بتفكيرهم، فكل ما يهمهم تحقيقه هو أن يحُولوا بين يوسف وأبيه؛فكان اتفاقهم على قتله، وتلطيخ قميصه بالدم، وادعاء أن الذئب أكله لمَّا ذهبوا يتسابقون وتركوه عند متاعهم، غير أن التلفيق كان واضحاً؛لأن القميص لم يكن ممزقاً بآثار أسنان الذئب؛مما جعل يعقوب عليه السلام لا يصدقهم؛ولهذا كان دائماً يدعوهم إلى أن يتقصوا آثار أخيهم، ولو أنه صدَّقَهم في دعواهم لما أصر على أن يقتفوا آثاره، وقد وقعوا في حالة التبرير كما يفعل المذنب؛إذ يعمد إلى تفسير سلوكه؛ليبين لنفسه وللناس أن لسلوكه هذا أسباباً معقولةً، فهم يقولون:﴿ قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ ﴾ (١).
أما الإسقاط فهو حيلة يسقط بها المرء نقائصه وعيوبه على الآخرين، ويهمه بالدرجة الأولى أن يلصقها بمن يظنه منافساً له مباشرةً، كالصديق الذي يغدر بصديقه ثم يتهمه بالغدر.
إذا كان هذا هو مفهوم الإسقاط في علم النفس فإن القرآن روى ذلك عن أخوة يوسف، وذلك حينما دس يوسف عليه السلام صواع الملك في متاع أخيه، وألقى القبض عليه بتهمة السرقة ليستبقيه دون أن يكشف لهم عن شخصيته فقالوا :
﴿ قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ ﴾(٢). وفي السورة آيات أخرى نستخلص من خلالها أدق النظريات التي جاء بها علم النفس الحديث (٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١- يوسف ١٧
٢- يوسف ٧٢
٣- القرآن نظرة عصرية جديدة. ص ٢٢١
أثر قصة يوسف في الأدب والشعر.