إباحة الطيّبات
الإسلام دين الوسطية والاعتدال، فلا تهاون فيه في الأعمال الخيرية أو النافعة للإنسان والجماعة، ولا تشدّد ولا إرهاق في جميع الأعمال التكليفية التي أمر الله تعالى بها، وإنما الإسلام دين سمح سهل، قليل التكاليف والمطالب، يبيح الحلال الطيب، ويمنع الحرام الخبيث، ولا إفراط فيه ولا تفريط، ولا تجاوز للحدود المعقولة والضوابط والقيود الشرعية المشروعة لمراعاة مصالح الناس وتحقيق منافعهم، ودفع المفاسد والمضارّ والمؤذيات عنهم.
قال الله تعالى:
[سورة المائدة (٥) : الآيات ٨٧ الى ٨٨]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨)
[المائدة: ٥/ ٨٧- ٨٨].
نزلت الآيتان في حق جماعة أرادوا التشدّد في الدين والقيام بأعمال كثيرة بقصد مرضاة الله ودخول جناته،
أخرج ابن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في رهط من الصحابة، منهم عثمان بن مظعون، وعلي بن أبي طالب، قالوا: نقطع مذاكيرنا، ونترك شهوات الدنيا، ونسيح في الأرض كما تفعل الرهبان، فبلغ ذلك النّبي صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل إليهم، فذكر لهم ذلك، فقالوا: نعم، فقال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: «لكني أصوم وأفطر، وأصلّي وأنام، وأنكح النساء، فمن أخذ بسنّتي فهو مني، ومن لم يأخذ بسنّتي فليس مني».
والمعنى: يا أيها المؤمنون لا تحرّموا على أنفسكم ولا تمنعوها من الطيبات وهي المستلذات المستطابات للنفس، لما فيها من المنافع، بأن تتركوا التمتع بها تقرّبا إلى الله تعالى، ولا تقولوا: حرمنا على أنفسنا كذا وكذا، مما هو حلال لكم ومباح. لا تفعلوا هذا تنسّكا وزهدا وتقرّبا إلى الله، فإن الله لا يرضى عن ذلك، بل ينهى عنه،