ليجعل الله ما يوسوس به الشيطان فتنة، أي ابتلاء واختبارا للمنافقين الذين في قلوبهم شك وشرك ونفاق، وللمشركين واليهود المعاندين وقساة القلوب، حين فرحوا بوساوس الشيطان، وظنوا أنه صحيح، وهو محض وسواس الشيطان. وقوله تعالى: لِيَجْعَلَ اللام متعلقة بقوله: فَيَنْسَخُ اللَّهُ والفتنة: الامتحان والاختبار.
ولِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ هم عامة الكفار، ووَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ فئة خاصة كأبي جهل، والنضر بن الحارث، وعتبة، وإن هؤلاء الظالمين أنفسهم لفي شقاق بعيد، أي في بعد عن الخير، وضلال، و «بعيد» معناه أنه انتهى بهم إلى نهاية الانحراف، وتعمّق الضلال فيهم، فأصبحت رجعتهم منه إلى الحق غير مرجوة.
وهذا الإبطال لوساوس الشيطان، لكي يعلم أهل العلم النافع الذين يفرقون بين الحق والباطل، والمؤمنون بالله ورسوله وهم أصحاب النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم: أن ما أوحيناه إليك أيها النبي هو الحق الثابت الصحيح من ربك الذي أنزله بعلمه وحفظه، وصانه من اختلاط غيره به، فيصدقوا بالله تعالى، وينقادوا له، فتخبت له قلوبهم، أي تتطامن وتخضع وتخشع له نفوسهم، وتعمل بأحكامه وشرائعه وآدابه.
وإن الله تعالى لمرشد المؤمنين بالله ورسوله إلى طريق قويم، في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فيرشدهم إلى الحق واتباعه، ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه، بتأويل المتشابه تأويلا سليما، وتفصيل المجمل تفصيلا واضحا. ثم في الآخرة يهديهم ربهم إلى الطريق القويم الموصل إلى جنان الخلد، ونعيم المصير.
قال القاضي عياض في كتاب الشفاء: لقد أجمعت الأمة على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فيما يبلغه عن ربه، معصوم من الإخبار عن شيء، بخلاف ما هو عليه، لا قصدا ولا عمدا، ولا سهوا ولا غلطا.


الصفحة التالية
Icon