النّبي، لإزالة كل ما قد يعلق في الذهن من مزاعم وأباطيل، ولإحقاق الحقّ وإظهار نصاعته وقوّته في صراع الباطل، وبقائه أمرا ثابتا خالدا على ممرّ الزمان. وبالمناسبة أبان الله تعالى دور الشياطين في أخيلة الشعراء الذين يتّبعونهم ويستمعون لإيحاءاتهم، ما عدا أهل الإيمان والصلاح الذين يعتدلون في إنشاد أشعارهم وإبداع قصائدهم، فيبتعدون عن المبالغات، ويلتزمون سداد القول. قال الله تعالى في الرّدّ على افتراءات مشركي مكة وأمثالهم:
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ٢٢١ الى ٢٢٧]
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ (٢٢١) تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٢٢٢) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ (٢٢٣) وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥)
وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)
«١» «٢» [الشّعراء:
٢٦/ ٢٢١- ٢٢٧].
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: تهاجى رجلان على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أحدهما من الأنصار، والآخر من قوم آخرين، وكان مع كل واحد منهما غواة من قومه، وهم السّفهاء، فأنزل الله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ (٢٢٤) الآيات.
ومعنى الآيات يتضمن الرّد على افتراءين للمشركين حول القرآن والرسول، وهما الكهانة والشعر. فليس القرآن من جنس ما تتلقّاه الكهنة عن الشياطين، وليس هو من الشعر في شيء، كما أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليس كاهنا ولا شاعرا.
أما الرّد على الفرية الأولى فمضمونه: هل أخبركم خبرا حقيقيّا نافعا لكم، ألا وهو: من الذي تتنزل عليه الشياطين؟ إنه استفهام وتقرير. تتنزل الشياطين على كل
(٢) يخوضون.