وقل لهم أيها الرسول، لا أحد يستطيع أن يمنعكم من مراد الله بكم، أو دفع السوء عنكم إذا قدّره الله عليكم، أو جلب الخير والنفع لكم إن أراده الله، ولن يجد هؤلاء المنافقون ومؤيدوهم مجيرا ولا نصيرا ينصرهم أو يشفع لهم.
ثم حذرهم الله تعالى بدوام علمه بالخائنين، ووبخهم بإخبار نبيه أن الله يعلم الذين يعوقون الناس عن نصرة الرسول، ويمنعونهم بالأقوال والأفعال، ويعلم القائلين لإخوانهم وأصحابهم من أهل المدينة: تعالوا إلى ما نحن فيه من الإقامة في البساتين تحت الظلال والثمار، واتركوا محمدا والحرب معه، ولا يأتي المنافقون الحرب أو القتال، إلا زمنا قليلا أو شيئا يسيرا إذا اضطروا إليه، خوفا من الموت أو القتل. وهلم: بمعنى أقبل.
وصفات هؤلاء المنافقين الشخصية قبيحة جدا:
فهم أولا: قوم بخلاء أشحة بأنفسهم وأموالهم وجميع أحوالهم، لا يقدّمون منفعة للمؤمنين ولا لغيرهم بحق.
وهم أيضا جبناء، فإذا ظهرت أمارات الخوف من العدو في بدء المعركة والقتال، لاذوا بك أيها النبي، ورأيتهم ينظرون إليك، كما ينظر المغشي عليه من معالجة سكرات الموت، حذرا وخورا وضعفا، فإذا ذهب ذلك الخوف العظيم، بدت منهم سلاطة اللسان وتفاخروا بأنهم أهل النجدة والشجاعة، وهم في ذلك كاذبون مراوغون، وسبب هذه السلاطة أنهم لا خير فيهم ولا منهم، قد جمعوا بين الجبن والكذب ونضوب الخير، فهم جبناء في الحالين: حال البأس أو الشدة، وحين جمع الغنيمة.
وسبب مرضهم الشديد الذي ينخر العظام أنهم فاقدو الإيمان، فهم غير مصدقين بالله ورسوله، وإن لم يظهروا الإيمان لفظا، فأبطل الله أعمالهم التي كانوا يأتون بها