ثم وعد الله تعالى نبيه صلّى الله عليه وسلّم بأنه سيري الكفار آياته، وهذا يدعو إلى التأمل والتفكر في تلك الآيات، إننا سنظهر لهم دلالات صدق القرآن، وعلامات كونه من عند الله، في أقطار السماوات والأرض والبلاد، وإبداع الأشياء، وفي خلق أنفس البشر، حتى يتضح الحق لكل ذي عينين.
وللمفسرين ثلاثة اتجاهات في إراءة آيات الله تعالى في الآفاق، فقال المنهال بن عمرو، والسّدّي وجماعة: هو وعد بما يفتحه الله تعالى على رسوله من الأقطار حول مكة، وفي غير ذلك من الأرض كخيبر ونحوها. ويكون قوله وَفِي أَنْفُسِهِمْ أراد به فتح مكة. قال ابن عطية: هذا التأويل أرجح التأويلات.
وقال قتادة والضحاك سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ: هو ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض. ويكون قوله وَفِي أَنْفُسِهِمْ يوم بدر.
وقال ابن زيد وعطاء: الآفاق: آفاق السماء، وأراد به الآيات في الشمس والقمر والرياح وغير ذلك. وقوله تعالى: وَفِي أَنْفُسِهِمْ: يراد به اعتبار الإنسان بجسمه وحواسّه، وغريب خلقته، ومراحل تكوينه في البطن ونحو ذلك.
وهذا المعنى الثالث: هو الظاهر لعمومه وانسجامه مع سياق الآيات، فيراد من إراءة الله تعالى آياته في الآفاق: إقناعهم بقدرته وعظمته، وإلزامهم بالحجة المحسوسة الملجمة لهم، ليتبين الحق، ويظهر لهم أن القرآن هو الحق القاطع. وقد أيدت وصدقت القرآن وإشاراته تلك النظريات العلمية الصحيحة في المطر والسحاب، وغزو الفضاء، واكتشاف الكواكب وخزائن الأرض، وعجائب خلق الأجنة في الإناث، وغير ذلك وغير ذلك من الآيات الدالة على كمال القدرة الإلهية، وتمام الحكمة، وعجائب مصنوعات الله، حتى يظهر أن دين الحق هو ما اشتمل عليه كتاب الحق:
وهو القرآن العظيم.