وذكر أبو حيان في البحر المحيط أنه لا تنافي بين قوله تعالى: وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠) وقوله قبل: وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) لأن قوله: مِنَ الْآخِرِينَ هو من السابقين، وقوله: وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠) هو في أصحاب اليمين.
ومردّ كل ذلك إلى الله تعالى، وتعرف الجماعات بمدى إيمانها وعملها الصالح، سواء أكانوا من الماضين أم من اللاحقين، إقامة للعدل بين الجميع.
جزاء أصحاب الشّمال
اصطلاح الشمال دائما يدلّ على مواجهة تعبير اليمين، الأول يدلّ على الانحراف ومعارضة الفطرة، والثاني يدلّ على الاستقامة والطاعة لله تعالى. وأهل اليمين يتمتعون بألوان النعيم الأخروي، المادّي والمعنوي، النفسي والاجتماعي، وأهل الشمال يتعرضون لمختلف أنواع العذاب الأخروي، بالسّحق والإحراق، وتجدّد العذاب على الدوام، شرابهم صديد أهل النار، والماء الشديد الغليان، وطعامهم شجر الزّقوم الشديد المرار، الذي تعاف مثله الإبل في الدنيا، مع التقريع، والإهانة، والإذلال، والسخرية، كما تصور هذه الآيات:
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٤١ الى ٥٦]
وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥)
وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣) فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤) فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)
هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦)
«١» «٢» «٣» «٤» «٥»
(٢) دخان شديد السواد.
(٣) لا بارد كغيره، ولا هو نافع يدفع أذى الحر.
(٤) متنعّمين بالحرام.
(٥) أي يفعلون ما يوجب الذنب العظيم وهو الشّرك.