الله،
وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا، فنزلت هذه الآيات: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) حتى بلغ: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢).
أقسم الله تعالى بمواقع النّجوم تعظيما لشأن القرآن أنه تنزيل من ربّ العالمين، ومواقع النجوم: مساقطها عند الغروب. وإن هذا القسم عظيم لو تعلمون ذلك.
والضمير يرجع إلى القسم المفهوم، من الكلام المتقدّم. والمقسم عليه هو أن هذا القرآن الذي نزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم لكتاب كثير المنافع والفوائد، لما فيه من: العلم والهدى والحكمة والإرشاد إلى سعادة الدنيا والآخرة.
وجاء القسم هكذا: فَلا أُقْسِمُ بالنّفي، والمراد: أقسم، لأن العرب تزيد (لا) قبل فعل (أقسم) كأنه ينفي ما سوى المقسم عليه، فيفيد التأكيد، أي كأنه تعالى يقول: فلا صحة لما يقوله الكفار. فتكون (لا) نافية، في رأي بعض النحويين، وقال بعضهم: هي زائدة، والمعنى: فأقسم، وزيادتها في بعض المواضع أمر معروف. وقال آخرون: هي مؤكدة، تعطي في القسم مبالغة، وهي كاستفتاح كلام، مثل: (فلا وأبي، أي فو أبي).
وبعد أن وصف الله القرآن بأنه كريم، أي كثير المنافع، وصفه بثلاث صفات أخرى وهي: أنه محفوظ في اللوح المحفوظ، لا يطّلع عليه إلا الملائكة المقرّبون وهم الكروبيون. ولا يمسّه في السماء إلا الملائكة الأطهار، وكذلك لا يمسّه في الدنيا إلا المطهّرون من الحدثين الأصغر والأكبر، وهو منزّل تنزيلا متدرّجا من الله تعالى، فليس هو بسحر ولا كهانة ولا شعر ولا قول بشر، بل هو الحق الثابت الذي لا مرية فيه.
وقال جماهير العلماء: لا يمسّ المصحف من بني آدم إلا الطاهر من الكفر والجنابة والحدث الأصغر،
وفي كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعمرو بن حزم- الذي أخرجه عبد الرزاق وأبي داود وابن المنذر، عن عبد الله بن أبي بكر- «ولا يمسّ القرآن إلا طاهر».