يعطي ويمنع غير الله، ولا أحد يرزق أو ينصر إلا الله عزّ وجلّ. بل إنهم في الواقع تمادوا في غيّهم وعنادهم واستكبارهم، ونفروا أو ابتعدوا عن الحق، وساروا في طغيانهم الفكري وممارساتهم الضّالّة، ولم يتّعظوا ولم يتفكّروا في الحقيقة. والآية واضحة الدلالة على أنه لا ناصر ينصر من عذاب الله، ولا رزاق يرزق غير الله، إن حجب رزقه عن مخلوقاته.
والفرق واضح بين المؤمن والكافر: أرأيتم معشر الناس حال المؤمن والكافر؟! الكافر يمشي متعثّرا في كل وقت، ساقطا على وجهه من حين لآخر، لا يدري مسلكه وكيفية ذهابه، بل هو تائه حائر ضالّ. أهذا أهدى إلى الطريق القويم، أم ذلك المؤمن الذي هو كمن يسير معتمدا على ذاته، معتدلا في مشيته، ناظرا أمامه، على طريق مستو، لا عوج فيه ولا انحراف؟ فهو في نفسه مستقيم، وطريقه مستقيمة، سواء في الدنيا والآخرة.
قال ابن عباس وابن الكلبي وغيرهما: نزلت هذه الآية مثلا لمحمد صلّى الله عليه وسلّم، ولأبي جهل بن هشام. وهي إما إخبار بأحوال الفريقين في الدنيا أو في الآخرة.
وهذا برهان آخر: برهان الرزق بعد تمكين الطير من التحليق، على قدرة الله، وبرهان ثالث: قل: أيها الرسول لهؤلاء المشركين: إن الله ربّكم هو الذي ابتدأ خلقكم بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا، وأوجد لكم حاسة السمع لسماع المواعظ، وحاسة البصر للنظر في بدائع خلق الله، والقلوب والعقول للتأمل والتفكير في مخلوقات الله وإدراك حقائق الأشياء، ولكن قليلا ما تستعملون هذه الطاقات التي أنعم الله بها عليكم، وقليلا ما تشكرونه بصرف تلك النّعم إلى ما أوجدت لأجله في الخير، والبعد عن التّورّط في الشرّ، فإذا لم تستعمل هذه القوى في طلب مرضاة الله، فأنتم ما شكرتم نعمته مطلقا. وإنما خصّت بالذكر مواهب السمع والبصر والفؤاد،


الصفحة التالية
Icon