وهذا تفضّل من الله تعالى عليهم، وامتنان وإنعام وإحسان، لما
ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «اعملوا وسدّدوا وقاربوا، واعلموا أن أحدا لن يدخله عمله الجنّة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل».
إن دخول الجنان بفضل من الله ورحمة وإحسان، أما تفاوت الناس الصالحين في درجات الجنّة، فإنما هو بحسب تفاضلهم في أعمالهم، وهو ما صرّح به القرآن الكريم في قوله تعالى: يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النّحل: ١٦/ ٣٢].
وهذا جمع موفّق بين الآيات والأحاديث النّبوية.
حال الفجّار في القيامة
يتميز أسلوب القرآن الكريم بالموازنة أو المقارنة بين الأضداد والمتغايرات، ليختار الإنسان العاقل الواعي بحرّيته طريق الخير أو طريق الشرّ، ويكون عمله هو سبب جزائه الحسن أو السوء، وقد ذكر الله تعالى في آيات سابقة حال الأبرار الأتقياء من نعيم الجنان، ليستعد الإنسان للعمل بعملهم، ثم أعقبه ببيان حال الأشقياء التعساء في نيران الجحيم، ليتجنّب المرء مسيرتهم وسلوكهم، لأن الجزاء الواضح في الآخرة مرتبط بنوع العمل، فأهل الإيمان والعمل الصالح هم السعداء، وأهل الكفر والجحود والمعاصي هم الهالكون الخاسرون، بسبب الإعراض عن الإيمان الصحيح بالله ورسالاته وعن أعمال البر والخير، كما يبدو في هذه الآيات:
[سورة الحاقة (٦٩) : الآيات ٢٥ الى ٣٧]
وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ (٢٥) وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ (٢٦) يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ (٢٧) ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ (٢٩)
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ (٣٢) إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (٣٣) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣٤)
فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ (٣٥) وَلا طَعامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ (٣٦) لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ (٣٧)