في الظلم والجور، وتمردوا وعتوا، واغتروا بقوتهم، وأكثروا الفساد فيها بالكفر والمعاصي والظلم.
فأنزل الله تعالى على تلك الجماعات بنحو متتابع، نوعا من العذاب الشديد، يشبه السوط المؤلم الذي يستعمل في تطبيق العقاب. وقوله: فَصَبَّ الصب:
مستعمل في السوط، لأنه يقتضي سرعة في النزول، وسبب العذاب: جرمهم، فإن الله يرصد ويراقب عمل كل إنسان، فلا يفوته شيء، حتى يجازيه عليه بالخير خيرا، وبالشر شرا، ولا يهمل منه شيئا مهما قل. والمرصاد والمرصد: موضع الرصد، أي أنه عند لسان كل قائل، ومرصد لكل فاعل.
وتكرار قصص هذه الأمم المدمرة للتذكير بها، والاتعاظ والاعتبار بها.
ثم ذكر الله تعالى ما كانت قريش تقوله، وتستدل به على إكرام الله تعالى، وإهانته لعبده، وذلك أنهم كانوا يرون أن من عنده الغنى والثروة والأولاد فهو المكرم، وبضده المهان، وبما أن هذا هو الغالب على كثير من الكفار، جاء التوبيخ في هذه الآية: فَأَمَّا الْإِنْسانُ.. لاسم الجنس، إذ قد يقع بعض المؤمنين في شيء من هذا الطبع.
أي إن الإنسان مخطئ في تفكيره أو اعتقاده: أنه إذا امتحنه الله، واختبره بالنعم، فأكرمه بالمال، ووسّع عليه الرزق، فيقول: ربي أكرمني وفضلني، وآثرني واصطفاني.
والمقصود من الآية: أن الله يلوم الإنسان فيما يظنه: أنه إن وسع الله عليه في الرزق ليختبره فيه، كان ذلك إكراما من الله له، وليس كذلك، بل هو امتحان واختبار، هذا بالنسبة للغني أو الثري.
وأما بالنسبة لما يواجه ذلك وهو الفقر، فإن الفقر والتقتير ليس دليلا على سخط الله على العبد، فإذا ما اختبر الله العبد بالفقر، وضيق عليه الرزق، ولم يوسعه له،


الصفحة التالية
Icon