الجواب على من استشكل حصول الحمل والإرضاع عند قيام الساعة
ثم قال صاحب أضواء البيان: (فإن قيل هذا النص فيه إشكال، بأنه بعد القيام من القبور لا تحمل الإناث، حتى تضع حملها من الفزع، ولا ترضع حتى تذهل عما أرضعت، فالجواب عن ذلك من وجهين: الأول: هو ما ذكره أهل العلم من أن من ماتت حاملاً تبعث حاملاً، فتضع حملها من شدة الهول والفزع، ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك، ولكن هذا يحتاج إلى دليل.
الوجه الثاني: أن ذلك كناية عن شدة الهول لقوله تعالى: ﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾ [المزمل: ١٧] ومثل ذلك من أساليب اللغة العربية المعروفة.
تنبيه: اعلم أن هذا الذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة التي ذكرنا بعضها يرد عليه سؤال، وهو أن يقال: إذا كانت الزلزلة المذكورة بعد القيام من القبور فما معناها؟ والجواب أن معناها: شدة الخوف والهول والفزع؛ لأن ذلك يسمى زلزالاً؛ بدليل قوله تعالى فيما وقع بالمسلمين يوم الأحزاب من الخوف، ﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ١٠ - ١١] أي: وهو زلزال فزع وخوف، لا زلزال حركة الأرض.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ [الحج: ١] يدل على أن عظم الهول يوم القيامة موجب واضح للاستعداد لذلك الهول بالعمل الصالح، في دار الدنيا قبل تعذر الإمكان لما قدمنا مراراً من أن المشددة المكسورة تدل على التعليل، كما تقرر في الأصول في مسلك الإيماء والتنبيه، ومسلك النص الظاهر، أي: اتقوا الله؛ لأن أمامكم أهوالاً عظيمة لا نجاة منها إلا بتقواه جل وعلا).
وبهذا يتضح أن المسألة فيها قولان: القول الأول: أن الزلزلة في آخر الدنيا، ودليله حديث إسماعيل بن رافع لكنه ضعيف، والقول الثاني: أن الزلزلة بعد البعث، ودليله حديث البخاري.
والجواب عن الإشكال كيف تضع الحامل والمرضع؟ من وجهين: الوجه الأول: أن الحامل تبعث حاملاً، والمرضع تبعث مرضعاً، والقول الثاني: أن المراد بالزلزلة: شدة الهول، وهذا أسلوب عربي معروف، والمراد بالزلزلة: زلزلة الخوف، لا زلزلة الأرض والحركة؛ لأن الله تعالى سمى ما حصل للمؤمنين في يوم الأحزاب زلزلة، قال: ﴿وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ١١] فالزلزلة تطلق على شدة الخوف، وتطلق على الحركة.
وقول الجمهور فيه نظر، ولكن المعول عليه الدليل، وهو حديث إسماعيل بن رافع وهو ضعيف.