من دلائل البعث
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: ﴿وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً﴾ [الحج: ٥]، هذا دليل آخر على قدرته تعالى على إحياء الموتى كما يحيي الأرض الميتة الهامدة، وهي المقحلة التي لا ينبت فيها شيء].
الدليل الأول في الاستدلال بالبدء على الإعادة: قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ﴾ [الحج: ٥] هذا هو الدليل الأول الذي استدل به ربنا سبحانه وتعالى على البعث، حيث استدل بخلق الإنسان الأول، وليس البعث بأشد من الإعادة أو أشد من البدء، بل كله هين على الله، كما قال سبحانه في آية أخرى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] يعني: كله هين عليه، أهون بمعنى: هين، فالدليل الأول استدل الله على البعث يخلق الإنسان الأول، فقد خلقه الله من تراب ثم من نطفة، ولم يك شيئاً، فالذي خلق الإنسان من تراب، وخلق آدم من تراب، ثم خلق بنيه من نطفة، قادر على أن يبعثهم ويعيدهم.
الدليل الثاني: إحياء الأرض بعد موتها، فالأرض ميتة هامدة، فإذا أنزل الله عليها الماء، اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فالذي أحيا الأرض بعد موتها، قادر على أن يحيي الميت بعد موته.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقال قتادة: غبراء متهشمة، وقال السدي: ميتة، ﴿فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: ٥] أي: فإذا أنزل الله عليها المطر اهتزت أي: تحركت وحييت بعد موتها، وربت أي: ارتفعت لما سكن فيها الثرى ثم أنبتت ما فيها من الألوان والفنون من ثمار وزروع وأشتات النباتات، في اختلاف ألوانها وطعومها وروائحها وأشكالها ومنافعها؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: ٥] أي: حسن المنظر طيب الريح.
وقوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ [الحج: ٦] أي: الخالق المدبر الفعال لما يشاء، ﴿وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى﴾ [الحج: ٦] أي: كما أحيا الأرض الميتة، وأنبت منها هذه الأنواع، ﴿إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [فصلت: ٣٩]، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢] ﴿وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا﴾ [الحج: ٧] أي: كائنة لا شك فيها ولا مرية، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ﴾ [الحج: ٧] أي: يعيدهم بعد ما صاروا في قبورهم رمماً، ويوجدهم بعد العدم كما قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾ [يس: ٧٨ - ٨٠]، والآيات في هذا كثيرة].