إن داود عليه السلام شدّ ملكه بالتسبيح والذكر والطاعة، فكان عليه السلام يسبح بالعشي والإشراق، وتجاوبت الجبال مع ذكره العذب الجميل، وكذلك تجاوبت الطيور، قال تعالى: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ﴾ [ص: ١٨]، فوهبه الله هبة عظمى ذكرها في كتابه عَزَّ وجل: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠]، أي جعلنا له ملكًا كاملاً من جميع الملوك العظماء، بحيث لا يتمكن منه أعداؤه لكثرة جيوشه، وكثافة حراسه التي قيل إنهم كانوا ألوفًا كثيرة يتناوبون في حراسته، ولم ينكسر له جيش في معركة أبدًا، فقد كان مؤيدًا بعون الله ونصره(١)، قال تعالى: ﴿اصْبِر عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ١٧].
أ- إن المتأمل في القرآن الكريم في قصة داود عليه السلام يتعرف على صفات الحاكم المؤمن الذي مكن الله له، وهي تحقق للقائد المصلح كمال السعادة في الدنيا والآخرة.
ومن أهم هذه الصفات:
١- الصبر: فقد أمر الله تعالى نبينا محمدًا - ﷺ - على جلالة قدره بأن يقتدي به في الصبر على طاعة الله.
٢- العبودية: فقد وصفه ربه بقوله ﴿عَبْدَنَا﴾ وعبر عن نفسه بصيغة الجميع للتعظيم، والوصف بالعبودية لله غاية التشريف، كوصف محمد - ﷺ - بها ليلة المعراج: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾ [الإسراء: ١].
وكان النبي - ﷺ - إذا ذكر داود عليه السلام وحدث عنه بيَّن فضله واجتهاده في العبادة، قال - ﷺ -:«إن أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه وينام سدسه وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا»(٢).
٣- القوة على أداء الطاعة والاحتراز عن المعاصي في قوله: ﴿ذَا الأيْدِ﴾.

(١) انظر: تفسير القرطبي (١٥/١٦٢).
(٢) مسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر (٢/٨١٦) رقم ١٨٩.


الصفحة التالية
Icon