وفي ذات يوم فوجئ بشخصين يَتَسوران المحراب المُغلق عليه ففزع منهما. قالا: لا تخف نحن خصمان بغى بعضنا على بعض، وجئنا للتقاضي أمامك، ونطلب منك أن تحكم بالحق والعدل وتبتعد عن الشطط وتدلنا على الصواب، وبدأ أحدهما فعرض خصومته بطريقة توحي بأن أحدهما وقع في ظلم صارخ، فاندفع داود عليه السلام دون السماع إلى حجة الخصم الآخر وأصدر حكمه، وبعد الانتهاء من إصدار الحكم تنبه داود عليه السلام بأنه لم يتثبت، فربما كان صاحب النعجة الواحدة هو الظالم، فأيقن إنما الحادثة اختبار من الله تعالى فرجع إلى طبيعته واستغفر ربه وخر راكعًا وأناب(١)، لقد خاضت بعض التفاسير في هذه الحادثة بسبب التأثر بالإسرائيليات ونسبت لداود عليه السلام ما يتنافى مع عصمته.
إن علماء أهل السنة يجمعون على أن الأنبياء معصومون عن الكبائر(٢).
وقد ذكر العلامة السعدي -رحمه الله- فوائد عظيمة وحكمًا جزيلة من قصة داود عليه السلام، فقال:
١- ومنها أي الفوائد: اعتناء الله تعالى بأنبيائه وأصفيائه عندما يقع منهم بعض الخلل بفتنته إياهم، وابتلائهم بما به يزول عنهم المحذور، ويعودون إلى أكمل من حالتهم الأولى، كما جرى لداود عليه السلام.
٢- ومنها: أن الأنبياء معصومون من الخطأ فيما يبلغون عن الله تعالى، لأن مقصود الرسالة لا يحصل إلا بذلك.
٣- ومنها: أن داود عليه السلام كان في أغلب أحواله ملازمًا محرابه، لخدمة ربه، ولهذا تسور الخصمان عليه المحراب، لأنه كان إذا خلا في محرابه، لا يأتيه أحد؛ فلم يجعل كل وقته للناس مع كثرة ما يرد عليه من الأحكام، بل جعل له وقتًا، يخلو فيه بربه، وتقر عينه بعبادته، وتعينه على الإخلاص في جميع أموره.
(٢) انظر: تفسير المنير (٢٣/١٩٠).