إن داود عليه السلام كان له كثير من الأبناء والأولاد إلا أن الله خصه بالابن الصالح النبي الملك سليمان عليه السلام، وأثنى الله عليه في كتابه بكونه أوابًا إلى الله عزَّ وجلَّ، كثير الطاعة والعبادة والإنابة إلى الله عز وجل في أكثر الأوقات، ومن مزيد فضل الله على عبده داود أن وهبه سليمان الذي ورث عنه الملك والنبوة.
قال تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ [ص: ٣٠].
لقد أكرم الله تعالى سليمان عليه السلام بالملك والنبوة وأعطاه الفهم الثاقب،
والرأي السديد، ورجاحة العقل.
ومما يدلنا على ذلك قوله تعالى:
﴿وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ - فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [الأنبياء: ٧٨، ٧٩].
إن الآيات الكريمة تبين قصة زرع رعته ليلاً غنم لآخرين، وكان الله عليمًا شاهدًا بما حكم به داود وسليمان، لا تخفى عليه خافية، ولكنه تعالى أفهم سليمان القضية والحكمة والفتوى الصحيحة الراجحة فكان رأيه هو الأصوب، مع أنه سبحانه آتى كلاً من داود وسليمان النبوة وحسن الفصل في الخصومات والعلم والفهم والإدراك السليم للأمور، مما يدل على إقرار الحكمين في الجملة، وعلى أن خطأ المجتهد لا يقدح فيه، وإن كان الصواب واحدًا، وهو ما قضى به سليمان، ودل قوله: ﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾ على إظهار ما تفضل الله عليه به في صغره(١).
لقد استنبط العلماء من هذه الآيات كثيرًا من المسائل المهمة نذكر بعضها:
١- في هذه الآية دليل على جواز رجوع القاضي عما حكم به، إذا تبين له أن الحق في غيره، فقد رجع داود إلى حكم سليمان عليهما السلام.

(١) انظر: تفسير المنير (١٧/١٠٦).


الصفحة التالية
Icon