وكان النحاس وقتها عنصر الحضارة ومادة التقدم ومظهر الأبهة والعظمة في الجيوش والحراسات والبنايات، وظل سليمان عليه السلام -الملك الجاد- يسعى في إعمار الدنيا بطاعة الله، حتى دانت له الأرض جميعًا، وجاء على المعمورة وقت لم يكن فيها لسليمان ندُّ في الحكم والملك ولا شبيه مماثل في العلم والحكمة(١).
٧- كان جنده مؤلفًا من الإنس والجن والطير، وقد نظم لهم أعمالهم ورتب لهم شئونهم، فإذا خرج خرجوا معه في موكب حافل، يحيط به الجند والخدم من كل جانب، فالإنس والجن يسيرون معه في موكب حافل، والطير تظله بأجنحتها من الحر والشمس(٢).
هذه هي أبرز مظاهر التمكين في زمن حكم سليمان عليه السلام، ويظهر إكرام الله له في قوله تعالى: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [ص: ٣٩].
وذلك زيادة في الإكرام والمنة، ثم زاد على هذا كله أن له عند ربه قُربى في الدنيا وحسن مآب في الآخرة: ﴿وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾ [ص: ٤٠].
ج- فقه سليمان عليه السلام في إدارة الدولة:
إن القصص القرآني في سيرة سليمان عليه السلام أشار إلى أساليبه في إدارة الدولة والمحافظة على التمكين، وأهم هذا الفقه يظهر في النقاط الآتية:
١- دوام المباشرة لأحوال الرعية، وتفقد أمورها، والتماس الإحاطة بجوانب الخلل في أفرادها وجماعاتها، فهذا كان حال سليمان عليه السلام: ﴿وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ﴾ [النمل: ٢٠] وذلك بحسب ما تقتضيه العناية بأمور الملك، والاهتمام بكل جزء فيه والرعاية بكل واحدة فيها وخاصة الضعفاء(٣).

(١) انظر الحكم والتحاكم في خطاب الوحي (٢/٥٨٧).
(٢) انظر: دعوة سليمان عليه السلام، ص٥٦، ٥٥.
(٣) انظر: تفسير القرطبي (١٣/١٧٧).


الصفحة التالية
Icon