ولا شك أن القيادة تحتاج إلى لجان ومؤسسات وأجهزة حتى تستطيع أن تقوم بهذه المهمة العظيمة، إن سليمان عليه السلام كان مهتمًا بمتابعة الجند وأصحاب الأعمال وخاصة إذا رابه شيء في أحوالهم، فسليمان عليه السلام، لما لم ير الهدهد بادر بالسؤال: ﴿مَالِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ﴾ [النمل: ٢٠] يعني (أهو غائب؟ كأنه يسأل عن صحة ما لاح له) (١)، ثم قال: ﴿أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ﴾ [النمل: ٢٠] سؤال آخر ينم عن حزم في السؤال بعد الترفق، فسليمان عليه السلام أراد أن يفهم منه أنه يسأل عن الغائب لا عن شفقة فقط ولكن عن جد وشدة، إذا لم يكن الغيب بعذر(٢).
٢- لابد للدولة من قوانين حتى تضبط الأمور بحيث يعاقب المسئ، ويحسن للمحسن، ولابد من مراعاة التدرج في تقرير العقوبة، وأن تكون على قدر الخطأ وحجم الجرم، وهذا عين العدالة، ولهذا لم يقطع سليمان عليه السلام بقرار واحد في العقاب عند ثبوت الخطأ؛ بل جعله متوقفًا على حجم الخطأ: ﴿لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ [النمل: ٢١] وقد استدل أهل العلم بهذه الآية على أن العقاب على قدر الذنب، وعلى الترقي من الشدة إلى الأشد بقدر ما يحتاجه إلى إصلاح الخلل(٣).
٣- لابد للدولة المسلمة أن تهتم بالأجهزة الأمنية وتحرص أشد الحرص على الاهتمام بالأخبار والمعلومات حتى توظف لخدمة الدين، وعقيدة التوحيد، ونشر المبادئ السامية، والأهداف النبيلة، والمثل العليا، وأن تحرص على تحبيب الجهاد لأبنائها بواسطة الأجهزة الإعلامية والوسائل التربوية، وأن تهيئ النفوس للظروف المناسبة لإقامتها
للدين وإعلاء لكلمة الله، وهكذا كان شأن سليمان عليه السلام-كما قال القرطبي

(١) تفسير الرازي (٢٤/١٨٩).
(٢) انظر: الحكم والتحاكم في خطاب الوحي (٢/٥٩٣).


الصفحة التالية
Icon