-رحمه الله-: «فإنما صار صدق الهدهد عذرًا له، لأنه أخبر بما يقتضي الجهاد، وكان سليمان عليه السلام حبب إليه الجهاد»(١).
٤- لابد للقيادة في الدولة المسلمة أن تهتم بنصر دعوة التوحيد، وبذل الوسع في تبليغها لكل مكلف، فإن سليمان عليه السلام لما استمع إلى خبر القوم المشركين شمر عن ساعد الجد في إيصال البلاغ إليهم، وبدأ معهم بالحجة والبيان: ﴿اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾ [النمل: ٢٨]، قال القرطبي -رحمه الله-: «في هذه الآية دليل على إرسال الكتب إلى المشركين وتبليغهم الدعوة ودعائهم إلى الإسلام، وقد كتب النبي - ﷺ - إلى كسرى وقيصر وإلى كل جبار»(٢).
ومن المهم عرض الدعوة بعزة الإسلام وبشرف الإيمان وهيبة القرآن لا بتذلل واستخذاء، وعدم مداراة للناس في أمر الاستجابة لله، وترك مداهنتهم فيما يغضب الله، ولقد كان كتاب سليمان عليه السلام لملكة سبأ يبدأ بالرحمة، وتتخلله الكرامة، وآخره الدعوة إلى الاستجابة لله والاستسلام له سبحانه: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣١، ٣٠].
وعلى الدولة المسلمة أن تهتم بتعظيم اسم الله تعالى، والتشرف بذكره في المحافل والمناسبات والكتابات، فهذا شعار المؤمنين، وتنزيه هذا الاسم المقدس عما لا يليق به، والحفاظ عليه من جهل الجهال؛ ولذلك قدم سليمان عليه السلام اسمه، خوفًا من أن تتلفظ ملكة سبأ بكلمة لا تليق فيكون اسمه وقاية لاسم الله عزَّ وجلَّ (٣).

(١) تفسير القرطبي (١٣/١٨٩).
(٢) المصدر نفسه (١٣/١٩٠).
(٣) المصدر نفسه (٢/٥٩٤).


الصفحة التالية
Icon