وعلى الدولة المسلمة أن يكون خطابها الدعوي ملتزمًا بالجدية في دعوة الناس، وأن تراعي شمولية الإسلام، وتتوخى الاقتصار على المقصود منها، وهكذا كان خطاب سليمان عليه السلام: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣١، ٣٠].
فالمطلوب من الخلق إما العلم أو العمل، والعلم مقدم على العمل، فقوله: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ مشتمل على إثبات الصانع سبحانه وتعالى وإثبات صفاته سبحانه، وقوله: ﴿أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ﴾ نهي عن الانقياد لغير الله عزَّ وجلَّ اتباعًا للهوى أو طاعة للنفس، وقوله: ﴿وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ فيه الحث على الإيمان بالقلب والإسلام بالجوارح(١).
وعلى القائمين بأمر الدعوة إلى الله أن يكونوا متعالين على حطام الدنيا، فعندما تعرض عليهم رشوة في الدين، أو رهانًا على المبدأ ليكن الشعار ما قال سليمان عليه السلام: ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِي اللهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ [النمل: ٣٦].
فملكة سبأ عندما عملت الحيلة لاختبار سليمان عليه السلام، وتفتق ذهنها عن بعث هدية له تمتحن بها حبه للدين، فأظهر عليه السلام عدم الاكتراث بهذا المال، وأعلم من جاءوا به أن الله تعالى آتاه الدين الذي هو السعادة القصوى، وآتاه من الدنيا ما لا مزيد عليه، فكيف يستمال مثله بمثل هذه الهدية؟! وصارحهم بأنهم هم الذين من شأنهم الفرح بتلك الهدية التي ظنوا أنه سيفرح بها، أما هو فلن يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف(٢).

(١) انظر: روح المعاني للألوسي (٢٤/١٩٥).
(٢) انظر: الحكم والتحاكم في خطاب الوحي (٢/٥٩٨).


الصفحة التالية
Icon