٥- المقدرة على اتخاذ القرار الصحيح في الوقت المناسب للمكان المناسب، وعدم التردد في القرار الصعب للتغلب على الحال الأصعب، فعندما وجد سليمان عليه السلام، أن القوم ما زالوا على الشرك، بل يريدون استمالته وتنحيته عن صلاته في الحق، قال للوفد الذي جاء بالهدية: ﴿ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ [النمل: ٣٧].
ولا مانع من ركوب الشدة مع المعاند، واستعمال القوة في إرهاب من يصد عن الدعوة، فإن ذلك قد لا ينفع غيره في إنقاذ الناس من الشرك، بل من المعادن البشرية ما لا يلين إلا تحت وهج السيف وسنابك الخيل، وكان هذا الأسلوب سببًا في إسلام ملكة سبأ وانقيادها وجنوده لسليمان عليه السلام، ولا مانع من استعمال الذكاء والعقل النير، ودقة التدبير، في استجلاب قلوب المدعوين إلى الدين واستخدام نعم الله في دلالة الخلق على الله، ومخاطبة الناس بالكيفية التي تستهوي قلوب عوامهم وتجلب احترام خواصهم، فسليمان عليه السلام لما بلغه خبر مجئ ملكة سبأ في جمع من حاشيتها وجنودها، أراد أن يعلمها مدى ما أعطاه الله من قوة حتى إن عرشها الذي تركته في حماية عظيمة وحرس كثيف يسبقها إليه(١).
٦- وعلى الدولة المسلمة أن تستفيد من المهارات والمواهب وإمكانات الخاصة في أفراد الرعية، ووضع الفرد المناسب في مكانه الصحيح، إن مملكة سليمان كان فيها من الإنس والجن وغيرهم ما كان يمكن أن يؤدي مهمة الهدهد، ولكن سليمان اختاره مع ضعفه وصغره لتأدية هذه المهمة، فـ(تخصيصه عليه السلام إياه بالرسالة دون سائر ما تحت ملكه من أمناء الجن الأقوياء على التصرف والتعرف؛ لما عاين فيه من مخايل العلم والحكمة) (٢).
د- أبرز صفات سليمان عليه السلام كحاكم لدولة:

(١) انظر: الحكم والتحاكم في خطاب الوحي (٢/٥٩٨).
(٢) تفسير روح المعاني (٩/١٩٣).


الصفحة التالية
Icon