ونجد في القرآن الكريم والسنُّة النبوية المطهرة، أن من الأنبياء من قتله أهل الكفر والشرك، كيحيي وزكريا عليهما السلام وغيرهما، ومنهم من حاول قومه قتله إلا أن الله نجاه منهم كنبينا محمد - ﷺ - وعيسى ابن مريم عليه السلام، وكإبراهيم الذي ترك قومه وعشيرته مهاجرًا إلى الشام، ونجد من أهل الإيمان على مر العصور ومر الدهور من يسام سوء العذاب وفيهم من يلقى في خدود الأرض المليئة بالنيران المحرقة، ومنهم من يقتل في سبيل الله صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر، ومنهم من يعيش في كرب وشدة واضطهاد، فأين وعد الله لهم بالنصر والظفر والتمكين؟ وقد طُردوا أو قتلوا أو عذبوا؟ (١)
يقول سيد قطب - رحمه الله -: (ويدخل الشيطان إلى النفوس من هذا المدخل، ويفعل بها الأفاعيل:
إن الناس يقيسون بظواهر الأمور، ويغفلون عن قيم كثيرة وحقائق كثيرة في التقدير.
إن الناس يقيسون بفترة قصيرة من الزمان وحيز محدود من المكان وهي مقاييس بشرية صغيرة، فأما المقياس الشامل، فيعرض القضية في الرقعة الفسيحة من الزمان والمكان، ولا يضع الحدود بين عصر وعصر، ولا بين مكان ومكان، ولو نظرنا إلى قضية الإيمان والاعتقاد لرأيناها تنتصر من غير شك. وانتصار قضية الإيمان هو انتصار أصحابها، فليس لأصحاب هذه القضية وجود ذاتي خارج وجودها، وأول ما يطلبه منهم الإيمان أن يفنوا فيها ويختفوا هم ويبرزوها.

(١) انظر: حقيقة الانتصار، ص (١٣، ١٤).


الصفحة التالية
Icon