٦- كان عفيفًا مترفعًا عن مال لا يحتاجه، ومتاع لا ينفعه: فإن القوم المستضعفين لما شكوا إليه فساد المفسدين، عرضوا عليه الخراج؛ (فأجابهم بعفة وديانة وصلاح: إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه وما أنا فيه خير من الذي تبذلونه) (١).
إن مفتاح شخصية ذي القرنين تتمثل في إيمانه بالله تعالى والاستعداد لليوم الآخر، وحبه لأهل الإيمان وبغضه لأهل الكفر والعصيان، وحبه العميق للدعوة إلى الله، فالإيمان بالله واليوم الآخر يظهر ذلك جليًا في شخصية ذي القرنين عند قوله تعالى: ﴿مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ﴾ [الكهف: ٩٥]، وقوله: ﴿أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا﴾ [الكهف: ٨٧]، وقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾ [الكهف: ٩٨]. وهذه المواضع التي صرح بأنه كان مؤمنًا بالله واليوم الآخر يستفاد منها أمور:
- إن الثناء على الحاكم لا يكون بمجرد شجاعة أو فتوح أو عمارة، ما لم ينضم إليها الإيمان بالله واليوم الآخر، لأن هناك حكامًا كثيرين كانت لهم من الإصلاحات الدنيوية المجردة ما يعتبرهم الناس من أجله عظماء، ومع ذلك لم يورد القرآن لهم ذكرًا حسنًا، بل جاء في القرآن ذم حكام عمروا في الدنيا كثيرًا ولكنهم خربوا أديان الناس وأفسدوا عليهم آخرتهم مثل فرعون وهامان والنمرود ونحوهم.

(١) انظر: الحكم والتحاكم في خطاب الوحي (٢/٦٢٥).


الصفحة التالية
Icon