لقد كان فقه ذي القرنين في التعامل مع الشعوب المستضعفة هو السعي الجاد لنقلها من الجهل والتخلف والكسل والضعف إلى العلم والتقدم والنشاط والقوة، فكان يدير العمل بروح الجماعة، ويشترك بنفسه مع إشراك غيره، ويدل على ذلك ضمير المتكلم الذي يتقابل في تسلسل متتابع رفيع مع ضمير المخاطب في النظم القرآني الكريم مما يشير إلى روح الحماس والحيوية والتعاون المشترك(١)، ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا - آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ [الكهف: ٩٦، ٩٥] لقد كان ذو القرنين حريصًا على مصلحة الناس، ناصحًا لهم فيما يعود عليهم بالنفع، ولهذا طلب منهم المعونة الجسدية، لما في ذلك تنشيط لهم ورفع لمعنوياتهم(٢). ومن نصحه وإخلاصه لهم، أنه بذل ما في الوسع والخدمة أكثر مما كانوا يطلبون، فهم طلبوا منه أن يجعل بينهم وبين القوم المفسدين سدًا، أما هو فقد وعد بأن يجعل بينهم ردمًا، (والردم هو الحاجز الحصين، والحجاب المتين وهو أكبر من السد وأوثق، فوعدهم بفوق ما يرجون) (٣).
لقد عفَّ ذو القرنين عن أموال المستضعفين وشرع في تعليمهم النشاط والعمل والكسب والسعي، فقال لهم: ﴿فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾ [الكهف: ٩٥].
إن هذا العبارة القرآنية معلم بارز في تضافر الجهود وتوحيد الطاقات والقدرات والقوى.
إن القيادة الحكيمة هي التي تستطيع أن تفجر طاقات المجتمع وتوجهه نحو التكامل لتحقيق الخير والغايات المنشودة.

(١) انظر: الحكم والتحاكم في خطاب الوحي (٢/٦٢٧).
(٢) انظر: أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي (٣/٢٤٣).
(٣) انظر: روح المعاني (١٦/٤٠).


الصفحة التالية
Icon