إن ذا القرنين رفض أن يكون هؤلاء المستضعفون عاطلين، قال الشيخ محمد متولي الشعراوي: وهذه تلفتنا إلى أن لله سبحانه وتعالى عطاء إمكانات، وعطاء ذاتي في النفس.. عطاء الإمكانات هو ما تستطيع أن توفره من وسائل تعينك على أداء العمل، والعطاء الذاتي في النفس هو القوة الذاتية في داخلك التي تعطيك طاقة العمل، وكثير منا لا يلتفت إلى عطاء النفس لا يلتفت إلى أنه فيه قوة يستطيع أن يعمل بها أعمالاً كثيرة، وأنه لا يستخدمها وأن لديه قوة تحمل وبإمكانه أن ينتقل من مكان إلى آخر.. وأن يعمل أعمالاً كثيرة.
هذه القوة معطلة عند عدد كبير من الناس، فهي غير مستخدمة، ويستطيع الرجل أن يفعل بها أشياء كثيرة، وأمامه المجالات التي يستخدم فيها طاقته؛ ولكنه لا يستخدمها، عنده قوة تفكير لو دربها على العلم لفتحت له أبوابًا كثيرة يرتزق منها؛ ولكنه يبقيها كسولة فلا تفكر في شيء ولا يستخدمها لينميها.
ماذا فعل ذو القرنين؟
لم يستعن بجيشه ولا بأناس آخرين.. إنما استعان بهؤلاء الضعفاء، لقد طلب منهم أن يأتوا بالحديد ثم بناء السد بحيث وصل به إلى قمة الجبلين، ثم قام بصهر الحديد، وأفرغ عليه النحاس ليكون السد في غاية المتانة والقوة.
إذن فهو قوَّى هؤلاء الضعفاء الذين كان يهاجمهم يأجوج ومأجوج، بأن علمهم كيف يعينون أنفسهم وكيف يبنون السد وجعلهم هم الذين يشتركون في البناء وهم الذين يقيمونه، وأعانهم هو بخبرته وعلمه فقط، ليأخذوا الثقة في أنفسهم، بأنهم يستطيعون حماية أنفسهم، وليتعلموا ما يعينهم ويحميهم، والإسلام ينهانا عن أن نعوِّد الناس على الكسل أو نعطيهم أجرًا بلا عمل، لأن ذلك هو الذي يفسد المجتمع، فالإنسان متى تقاضى أجرًا بلا عمل لا يمكن أن يعمل بعد ذلك أبدًا(١).

(١) القصص القرآني في سورة الكهف، ص ٩٤، ٩٣.


الصفحة التالية
Icon