إن ذا القرنين قام بمهمة الحاكم الممكن له في الأرض، فقوى المستضعف وجعله قادرًا على حماية نفسه من العدوان ولا يعتمد على حماية أحد، ولم يترك الناس في مقاعد المتفرجين؛ بل نقلهم إلى ساحة الجد عاملين(١).
وهنا وقفة مهمة ودرس هام وضروري للأمة، وبخاصة في زماننا هذا، لأنها تواجه خطرًا ماحقًا مدمرًا، أشد وأقسى من يأجوج ومأجوج، إنه خطر الملاحدة واليهود والنصارى، الذين يسعون لتدمير كيان الأمة وسلخها من هويتها وعقيدتها وإسلامها وجعلها عاجزة مكتوفة الأيدي أمام هذا الخطر، تستنجد وتستنكر وتشكو إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة، والدعوة إلى مؤتمر دولي.
إن القرآن الكريم يعلمنا ويرشدنا إلى طريق النجاة ألا وهي الالتزام بمنهج الله واتخاذ طريق العمل الصائب الصحيح، بالجهاد والقتال والقوة والعلوم المتطورة لكي تستحق الأمة رحمة الله، فعلى الأمة أن تودِّع الأماني والأحلام الخادعة، وعليها أن تدخل ميدان العمل والعطاء والجهاد والشهادة، فعندما تحرك القوم المستضعفون نحو العمل بقيادة ذي القرنين، وصلوا إلى هدفهم المنشود، وغايتهم المطلوبة، ونقف مع ذي القرنين بعد أن تم بناء السد.
نظر ذو القرنين إلى سده العظيم الذي حفظ الناس من غارات المفسدين وقال: ﴿هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي﴾ [الكهف: ٩٨]، إنها عبارة جميلة مباركة تشير إلى عدة معانٍ:
١- قال سيد قطب رحمه الله: (ونظر ذو القرنين إلى العمل الضخم الذي قام به، فلم يأخذه البطر والغرور، ولم تسكره نشوة القوة والعلم، ولكنه ذكر الله فشكره، ورد إليه العمل الصالح الذي وفقه إليه...) (٢).
٢- ذكر ذي القرنين لربه عند إنجاز عمله، يعلمنا كيف يكون ذكر الله سبحانه، إن من أعظم صور الذكر، هي أن يذكر ربه عند توفيقه في عمله، فيستشعر أن هذا بأمر ربه، فيتواضع ويعدل ويذكر ويشكر.

(١) المصدر نفسه، ص٩٥.
(٢) الظلال (٤/٢٢٩٣).


الصفحة التالية
Icon