إن الله تعالى أظهر في سيرة أحسن الملوك(١) (ذي القرنين) مفاهيم حضارية وجعل في سيرته دروسًا لكل من أراد أن يحكم بالحق والعدل من الحكام في الناس، فأرشد القرآن الكريم عباده إلى ركائز الحضارة الربانية التي تقوم على شرع الله وتحكيمه بين العباد، فمن أهم هذه الركائز: الإيمان، العدل، العمل، وإنها لصفات لابد منها حتى يستقيم أمر الشعوب، ويأمنوا بحق على أنفسهم، وأموالهم، وأعراضهم، وأديانهم، وعقولهم، فالإيمان بالله ربًا يجعل الحاكم يحرص على أن يستقي أوامره وتشريعاته من منهج الله، الذي لا شطط فيه ولا خلاف، ولا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء، ويكون بعيدًا كل البعد عن هواه، فلا يظلم ولا يبطر ولا يتحكم في رقاب الناس وأمنهم بدون وجه حق، والعدل لابد منه لأنه مركب النجاة، وأمان أهل الأرض، والثقة بين الراعي والرعية، والقائد والمقود والحاكم والمحكوم، وبالعمل والتعاون ينتشر العمران، وتعم الحضارة وفق منهج رب العالمين.
لقد بنى ذو القرنين حضارة ربانية معتمدة على ركائز الإيمان، والعلم والعدل، والإصلاح مستهدفة بني الإنسان أينما حل وأقام، أو ارتحل إلى أي مكان، فقاد الدنيا بالإيمان والخير والفلاح، وعمل على تخليصها من أسر المادة الطاغية، وكذلك الكفر والشرك والإجرام.
وحرص على تربية جنوده وأتباعه على الخير والحق ومحاربة الشر من النفوس، وأهم هذه الشرور الظلم والعدوان والتسلط على الناس، ومحاولة استعبادهم واستغلالهم لتحقيق مصالح شخصية، فالانحطاط الأخلاقي أضر شيء بالحياة الإنسانية.

(١) انظر: مجموع الفتاوى (١٧/٢٢).


الصفحة التالية
Icon