إن الحضارة الربانية متكاملة، وقابلة للبناء في أي وقت كان فيه التزام بالمنهج الرباني وأحكامه، لأن المنهج الرباني وأحكامه فيه كل الخير من عناصر معنوية اعتقادية وروحية وأخلاقية وعلمية وإبداعية، وعناصر مادية تشمل التقدم العمراني والصناعي والزراعي والتجاري، وكذلك عناصر تنظيمية وتشريعية تنظم حياة الفرد والمجتمع والدولة، مرتبطًا بجميع جوانب الحضارة ولذلك تخرج للوجود حضارة ربانية مؤمنة تتقدم لصالح البشرية ولنشر الهداية لتعميمها على العباد وتسعى لبناء الرجال على أسس من العقلية والأخلاق، والأفكار الصحيحة، والتصورات السليمة قبل بناء المباني وتجميل المدن، وصناعة الأسلحة.
وتتميز الحضارة الربانية بتكاملها وتوازنها وتناسقها، من الحاجات الجسمية والعقلية والروحية وتتطلع إلى التنافس الشريف، وإسعاد البشرية، وتكوين الشخصية الربانية التي تتحمل مسئولياتها الحضارية.
إن سيرة ذي القرنين في قيادته الحضارية للبشرية في زمانه تعطينا صورة مشرقة للإنسان القوي المؤمن العالم، الذي يسخر كل إمكانات دولته وجنوده وأتباعه وعلومه ووسائله وأسبابه لتعزيز شرع الله وتمكين دينه وخدمة الإنسانية وإعلاء كلمة الله، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة الناس والمادة إلى عبادة الله(١)، ولقد سار نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام والخلفاء الراشدون من بعده، على نفس المنوال والهدى الذي رسمه القرآن الكريم، ولقد طبقوا قول الله تعالى:﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج: ٤١].

(١) انظر: ذو القرنين القائد الفاتح لمحمد خير رمضان، ص٣٩٠.


الصفحة التالية
Icon