إن الإيمان الراسخ، والعمل الصالح، والسيرة الفاضلة، والمقاصد الخيرة، والدعوة إلى الله وإلى الحق واستخدام كل ما أوتينا من علم وحكمة يصنع الحضارة الربانية التي قاعدتها العقيدة الصحيحة، والتي تنبثق منها مبادئ وقيم وأخلاق ربانية تسعد من دخل في منهجها في الدنيا والآخرة.
إن الحضارة الإنسانية الرفيعة تتحقق في ظل دين الإسلام، وبذلك نستطيع أن نعرف الحضارة الربانية بأنها: «تفاعل الأنشطة الإنسانية للجماعة الموحدة لخلافة الله في الأرض عبر الزمن، وضمن المفاهيم الإسلامية عن الحياة والكون والإنسان»(١).
وهذا التعريف يتسع ليضم بين جوانبه حلقات الحضارة الربانية المتعددة والتي بدأت مع فجر التاريخ، عبر الأنبياء والرسل والمؤمنين بهم، حتى الحلقة الأوسع وهي الحلقة المبتدئة بعصر النبي - ﷺ - وما تبعه من تفاعلات وأحداث.
وهكذا تصبح الحضارة الربانية الحضارة العالمية، التي تضم بين أرجائها تفاعلات الأمم والشعوب المندرجة تحت شرع الله تعالى، وتقبل في عضويتها العالم بأسره، أسوده وأصفره وأبيضه وفق المنهج الرباني وأحكامه.
وتسعى لخدمة الإنسان وإسعاده، ليكون مع سائر الأكوان المحيطة به في وحدة حضارية كونية تتسامى في تمجيد الله تعالى، وفي تسبيح أصيل للخلاق العليم خالق الوجود كله(٢)، قال تعالى: ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾ [الإسراء: ٤٤].

(١) الإسلام والحضارة للندوة العالمية للشباب (١/٤٩٠).


الصفحة التالية
Icon