إننا إذا تأملنا في قول الله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ - إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ [العصر: ١-٣]. لوجدناها بحق تمثل معنى الحضارة الربانية في مفاهيمها وعناصرها، فالسورة حوت عناصر الحضارة كلها بوضوح كامل: الإنسان، التجمع، صفة الجمع في السورة الذين آمنوا وعملوا الصالحات
- الزمن- الصبغة، كما تضمنت التفاعل الحضاري المستمر بالعمل والتطبيق والتنفيذ للمبادئ والمفاهيم.
إن تعطيل العمل والتنفيذ للمبادئ يعطل الربانية ويجعلها في حالة توقف وانتظار بل في حالة تأخر وانحسار(١).
إن ذا القرنين ساهم في صناعة الحياة البشرية على أسس عقدية وأخلاق ربانية، وأكون قد أصبت الحقيقة إن قلت: وترك لنا معالم واضحة في التعامل مع نفسية الشعوب وتحريكها بالإيمان والعلم والعمل والعدل والإصلاح والتعمير.
ب- الدروس والعبر والحكم:
إن قصة ذي القرنين مليئة بالآيات والعبر والأحكام والآداب والثمرات والفوائد.
نذكر منها:
١- الاعتبار برفع الله بعض الناس درجات على بعض، ورزقه من يشاء بغير حساب ملكًا ومالاً لما له من خفي الحكم وباهر القدرة، فلا إله سواه.
٢- الإشارة إلى القيام بالأسباب، والجري وراء سنة الله في الكون من الجد والعمل، وأن على قدر الجد يكون الفوز والظفر، فإن ما قصه الله علينا عن ذي القرنين من ضربه في الأرض إلى مغرب الشمس، ومطلعها وشمالها وعدم فتوره، ووجدانه اللذة في مواصلة الأسفار وتجشم الأخطار، وركوب الأوعار والبحار ثم إحرازه ذلك الفخار، الذي لا يشق له غبار، أكبر عبرة لأولي الأبصار.

(١) الإسلام والحضارة للندوة العالمية للشباب (١/٤٩١).


الصفحة التالية
Icon